شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

قولنا: الله مريد لا يعني كونه قادرا لا عالما

صفحة 295 - الجزء 1

  وبعد، فإن المعدوم مما لا يوجب الحكم، لأن الإيجاب إنما يصدر عن الصفة المقتضاة عن صفة الذات، وهي مشروطة في سائر الذوات بالوجود، أو يكون تأثيره على طريق التصحيح فهو الفاعل، وصفات الفاعل المتعلقة منها - فإن ما لا يتعلق لا يؤثر في الغير - محصورة معدودة كونه قادرا عالما مريدا كارها مشتهيا نافرا ظانا، وأي ذلك كان فلا يجوز أن يؤثر فيه.

  فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون المؤثر في كون الكلام أمرا وخبرا إنما هو كونه قادرا؟ قلنا: لأن تأثير القادر لا يتعدى طريقة الإحداث، وكون الكلام أمرا وخبرا أمر زائد على ذلك.

  وبعد، فإن كونه قادرا ثابت في حال السهو، ثم لا يصح منه الإخبار في تلك الحال.

  فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون المؤثر في ذلك إنما هو كونه عالما؟ قيل: لأن حال كونه عالما مع هذا المخبر كحاله مع غيره مع المخبرين، فيجب أن يكون خبرا عن سائرهم أو لا يكون خبرا عن واحد منهم، فأما أن يكون خبرا عن واحد منهم دون ما عداه، فلا. إلا أن هذا إنما يجب في ما يكون تأثيره على طريق الإيجاب، فأما ما يؤثر على طريق التصحيح فإن ذلك لا يجب، وكونه عالما إنما يؤثر على طريق التصحيح، فالأولى أن نقول: إن العلم يتبع المعلوم ويتعلق به على ما هو عليه ولا يؤثر فيه، إذ لو أثر العلم في المعلوم لوجب في المعلومات كلها، نحو القديم والجوهر والأعراض أن تكون متعلقة بعلومنا، حتى إن زال العلم زال وإن ثبت ثبت، وقد عرفنا فساده.

  ولا شبهة في أن كونه مشتهيا ونافرا وظانا مما لا يؤثر في كون الكلام أمرا خبرا، أو كما لا يجوز أن يكون المؤثر فيه هذه الأوصاف، وفكذلك لا يجوز أن يكون المؤثر فيه كونه كارها، لأن الكراهة تمنع الفعل، فضلا عن أن تكون مؤثرة فيه.

  فهذا هو الكلام في الإرادة.

  وأما الكلام في الكراهة فكمثل، لأن كل ما ذكرناه في باب كونه مريدا يعود هاهنا، وكما أن الدلالة العقلية تدل هاهنا على هذه الجملة التي مضت، فالدلالة السمعية توافقها. قال اللّه تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}⁣[البقرة: ١٨٥]