فصل: في كيفية استحقاقه تعالى لهذه الصفة
  لذاته، وكانت المعلومات غير مقصورة على بعض العالمين دون بعض، كان عالما بجميعها، كذلك هاهنا.
  فإن قيل: أوليس أنه تعالى قادر لذاته ثم لا يجب أن يكون قادرا على جميع المقدورات، فهلا جاز مثل في مسألتنا؟.
  قلنا: إن بين الوضعين فرقا، لأن المقدورات مقصورة على بعض القادرين دون بعض، حتى لا يجوز في مقدور زيد أن يكون مقدورا لعمرو، إذ لو جاز ذلك لكان يجب إذا خلص داعي أحدهما إلى الإيجاد وداعي الآخر إلى أن لا يوجد، أن يوجد وأن لا يوجد دفعة واحدة.
  وليس كذلك المرادات فإنها غير مقصورة على بعض المريدين دون بعض، حتى ما من مراد إلا وكما يصح أن يريده زيد يصح أن يريده عمرو وغيره من المريدين، فنظير المرادات المعلومات، فإن المعلومات أيضا غير مقصورة على بعض العالمين دون بعض، حتى ما من معلوم يصح أن يعلمه زيد إلا ويصح أن يعلمه عمرو غيره من العالمين، فالفرق بين المرادات والمقدورات ظاهر.
  فإن قيل: إنا نرتكب ذلك ونقول: إنه تعالى مريد لسائر المرادات فما الذي يلزم عليه؟ قلنا: يلزم عليه أشياء كثيرة ووجوها من الفساد لا قبل لكم بها.
  من جملتها، أنه كان يجب إذا أراد الواحد منا أن يرزقه اللّه تعالى الأموال والأولاد أن يكون اللّه تعالى مريدا له، وإذا كان مريدا له وجب وجوده، سيما على مذهبهم أنما يريده اللّه تعالى يجب حصوله سواء كان من فعله أو من فعل غيره وإلا اقتضى الضعف والعجز.
  ومنها: أنه كان يجب أن يوجد من المرادات أكثر مما أوجد لأنه تعالى يصح أن يريد أكثر، وإذا صح أن يريده وجب أن يريده، وإذا وجب أن يريده وجب حصوله لا محالة.
  فإن قيل: إرادة ما لا يقع تمنّ، وليس يجب إذا كان اللّه تعالى مريدا للمرادات أن يريد المتمنيات أيضا.
  قلنا: إن التمني ليس من الإرادة في شيء، وإنما هو من أقسام الكلام، ولهذا يعده أهل اللغة في ذلك فيقولون: الكلام أمر وخبر واستخبار وعرض وتمن.