شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

فساد قول النجارية:

صفحة 298 - الجزء 1

  وبعد، فإن أحدنا قد يريد وجود الحلاوة واللون في محل فيحصل أحدهما ولا يحصل الآخر، ولو جاز أن يقال إن أحدهما تمن لجاز مثله في الآخر، إذ لا يمكن الفصل بينهما.

  ومما يلزمهم على القول بأنه تعالى مريد لسائر المرادات، قدم العالم، لأنه تعالى إذا كان مريدا لذاته صح أن يريد وجود العالم فيما لم يزل، وإذا صح أن يريده وجب أن يريده، وإذا وجب أن يريده وجب حصوله لا محالة، فيلزم قدم العالم ويقدح في حدوثه.

  إلا أن الأولى أن يقال: يلزمهم أن يكون اللّه تعالى قد خلق العالم قبل الوقت الذي خلقه، وقبل ذلك، وقبله، فيكون أحسم للأشياء، فإن حدوث العالم فيما لم يزل مستحيل، فلا يصح وجوده.

  ومما يلزمهم، وجود الضدين، لأن الضدين يصح أن يكونا مرادين لمريدين بل لمريد واحد إذا اعتقد ارتفاع التضاد بينهما، وإذا صح أن يكون مرادا لنا صح أن يكون مرادا للّه تعالى لأنه مريد لذاته، وإذا صح وجب، وإذا وجب، وجب حصول الضدين.

  فإن قيل: أليس أنه تعالى عالم لذاته ثم لا يجب أن يكون عالما بوجود الضدين، فهلا جاز أن يكون مريدا لذاته ولا يجب أن يكون مريدا للضدين.

  والجواب عن ذلك، أن بين الوضعين فرقا، لأن وجود الضدين في محل واحد يستحيل أن يكون معلوما لعالم واحد ولعالمين، وليس كذلك في الإرادة، لأن الضدين مما يصح أن يكونا مرادين لمريدين بل لمريد واحد إذا اعتقد ارتفاع التضاد بينهما على ما مر.

  فإن قيل: إرادة حدوث الشيء تتبع العلم به، والعلم بوجود الضدين مستحيل فلا يجب أن يكون مريدا لهما.

  والأصل في الجواب، أن الضدين يصح أن يكونا مرادين لمريدين بل لمريد واحد إذا اعتقد ارتفاع التضاد بينهما، لأن إرادة الشيء تابع لصحة حدوثه، وصحة الحدوث ثابتة في كل واحد من الضدين، فصح أن يعلم اللّه تعالى ذلك من حال كل واحد منهما، وإذا صح ذلك صح أن يريدهما، وإذا صح وجب لأن صفة الذات إذا صحت وجبت، فيجب حصولها كما ألزمنا.