شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

فساد قول النجارية:

صفحة 299 - الجزء 1

  ومتى قلتم: إن على هذا يجب أن يكون القديم تعالى عالما بوجود الضدين وذلك محال، قلنا: إن مذهبكم في الإرادة يقتضي ذلك ويؤدي إليه، فاتركوه كي لا يقتضيه فلا يلزمكم.

  وأحد ما يلزمهم على القول بأنه تعالى مريد لذاته، أن يكون مريدا لسائر القبائح، فكان يجب أن يكون حاصلا على صفة من صفات النقص وذلك فاسد.

  فإن قيل: وما تعنون بالنقص؟ قلنا: التفرقة التي يجدها الواحد منا من نفسه إذا رجع إليها بين أن يريد القبيح وبين أن لا يريده بل يريد الواجب.

  فإن قيل: إن هذا إنما يجب في الشاهد لأن أحدنا يستحق هذه الصفة لمعنى هو الإرادة، والقديم تعالى يستحقها لذاته فلا يجب ذلك فيه.

  قلنا: الصفة إذا كانت من صفات النقص لم يختلف الحال بين أن تكون مستحقة للذات وبين أن تكون مستحقة لمعنى، ألا ترى أن كونه جاهلا لما كانت من صفات النقص، لم يختلف الحال بين أن تكون مستحقة للذات أو مستحقة لمعنى، كذلك هاهنا.

  فإن قيل: قولكم إنه تعالى إذا كان مريدا لذاته يجب أن يكون مريدا للضدين مما يصح، لأنه يعلم أن وجود الضدين في محل واحد دفعة واحدة مستحيل، وإنما يعلم أين أحدهما دون الآخر، فما المعلوم من حاله أنه يقع فهو مراد، وما المعلوم من حاله أنه لا يقع فهو متمنّى، والقديم تعالى إذا كان مريدا لذاته لا يجب أن يكون متمنيا.

  والأصل في الجواب عن ذلك، أنه لا فرق بين ما المعلوم من حاله أنه يقع وبين ما المعلوم من حاله أنه لا يقع في صحة الإرادة، ولهذا فإن أحدنا قد يريد الضدين إذا اعتقد ارتفاع التضاد بينهما، مع أن المعلوم وقوعه من ذلك أحدهما دون الآخر، وكذلك فقد يريد الحلاوة والسواد في محل واحد، بحيث لا يفصل بين إرادتيهما ثم يقع أحدهما دون الآخر، ففسد ما ظنوه.

  وبعد، فلو كان كذلك لوجب أن لا يكون النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم مريدا لإيمان أبي لهب، وإنما يكون متمنيا لأنه قد علم بإخبار اللّه تعالى إياه أنه لا يؤمن، وقد اتفقت الأمة على خلاف ذلك.

  وبعد، فإن التمني من أقسام الكلام، والمرجع به إلى قول القائل ليت كان كذا