شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

شبه يشترك فيها الفريقان:

صفحة 304 - الجزء 1

  لا يصدر عنهما الإيجاب لكان يكون قد انقلب جنسهما، وإذا أوجب مع أنهما وجدا لا في محل لكان لم يكونا بأن يوجبا الحكم لهذا المحل، أولى من أن يوجبا لغيره من المحال لعدم الاختصاص، فكان يجب أن يوجبا كون الجواهر كلها متحركة ساكنة في وجهة واحدة، وذلك يوجب انقلابهما عما هما عليه في أنفسهما، لأن الجوهرين لأمر يرجع إليهما لا يصح وجودهما في جهة واحدة، فبان بهذه الجملة صحة ما ادعيناه، من أن هذه الأعراض إذا لم توجد إلا في محل، فإنما لا يصح ذلك فيها، لأنها إذا وجدت لا في محل أدى إما إلى انقلابها عما هي عليه في ذاتها، أو إلى انقلاب غيرها، وليس كذلك الإرادة، فإن الذي يقتضيه ما هي عليه في ذاتها هو أن توجب الحكم للحي، وتضاد ضدها عليه، وهي مع أنها موجودة لا في محل، توجب الحكم للّه تعالى وتضاد ضدها عليه، ولا تنقلب عما هي عليه في ذاتها.

  وأحد ما يتعلقون به، قولهم: إن اللّه تعالى لو كان مريدا بإرادة محدثة موجودة لا في محل، لكان لا تختص تلك الإرادة باللّه تعالى، وحالها مع اللّه تعالى كحالها معنا، فإما أن توجب الحكم لنا وله جميعا أو لا توجب الحكم لأحد أصلا، فإما أن توجب لأحدهما دون الآخر فلا.

  والأصل في الجواب عن ذلك، أن الإرادة علة، ومن حق العلة أن تختص بالمعلول غاية الاختصاص بطريقة الحلول إذا كان ممكنا، وطريقة الحلول فينا ممكنة، فمتى لم تحلنا انقطع اختصاصها بنا، وإذا انقطع اختصاصها بنا وجب أن تختص باللّه سبحانه وتعالى، سيما إذا كان وجودها على حد وجود القديم، وإلا خرجت عن كونها علة موجبة واختصت به دوننا وصارت بإيجاب الحكم له أولى وصار الحال فيها كالحال في جنس من الأجناس المقدورات، إذا ثبت كونه مقدورا، وثبت أنه غير مقدور لنا فإنه والحال هذه لا بد من أن يكون مقدورا للّه تعالى، وإلا خرج عن كونه مقدورا، كذلك في مسألتنا.

  وشبهة أخرى لهم في المسألة، وهي أنهم قالوا: لو كان اختصاص الإرادة بالقديم من حيث إن وجودها على حد وجود القديم لوجب في الفناء أن يختص به، لأن وجوده على حد وجود القديم تعالى فيجب أن ينفيه تعالى اللّه عن ذلك كما ينفي الجواهر والأصل في الجواب عن ذلك، أن هذا لا يصح، لان الفناء إنما ينفي الجواهر.

  والأصل في الجواب عن ذلك، أن هذا لا يصح، لأن الفناء إنما ينفي الجواهر