شبه يشترك فيها الفريقان:
  لا لأن وجوده على حد وجود الجواهر بل لأنه ضد له، وهذا غير ثابت في القديم إذ القديم لا يضاد الفناء فلا يجب أن ينفيه وإن كان وجوده على حد وجوده، وصار الحال في ذلك كالحال في السواد والحلاوة إذا وجدا في محل واحد وطرأ عليهما بياض، فكما أنه لا يجب في البياض أن ينفيهما جميعا وإن كان وجوده على حد وجودهما لما لم يكن ضدا لهما وإنما يجب أن ينفي ما يضاده وهو السواد، كذلك هاهنا.
  شبهة أخرى لهم في المسألة، وهي أنهم قالوا: لو كان القديم تعالى مريدا بإرادة محدثة، لكان لا بد لتلك الإرادة من محدث وفاعل، فلا يخلو إما أن يكون فاعلها الواحد منا، وذلك إما أن يفعله في نفسه أو في غيره، وإذا فعله في نفسه، فبأن توجب الحكم له أولى، وإذا فعله في غيره لم يصح، لأن تعدية الفعل عن محل القدرة لا يمكن إلا بالاعتماد، والاعتماد مما لاحظ له في توليد الإرادة، وإما أن يكون فاعلها القديم تعالى، وذلك يوجب أن يكون مريدا لتلك الإرادة، والكلام في تلك الإرادة كالكلام في هذه فيتسلسل.
  والأصل في الجواب عن ذلك، أن هذا لا يصح، لأن الإرادة جنس الفعل وجنس الفعل لا يحتاج إلى الإرادة، فيصح من اللّه تعالى أن يريد ما يريد، وإن لم يرد إرادته. يبين ذلك أن الإرادة لا تقع مقصودة، وإنما تقع تبعا، ألا ترى أن الآكل إذا أراد الأكل فإن إرادته تابعة للأكل لا أنها مقصودة، بل المقصود هو الأكل ثم ما يدعو إليه يدعو إلى إرادته، فكذلك الحال في غير الأكل، فكيف يجب أن يريد الإرادة حتى يلزم عليه ما لا يتناهى.
  على أن في البغداديين من أصحابنا من أحال الإرادة، وزعم أنها كالقديم والماضي في أنها لا يصح إرادتها، ونحن وإن صححنا إرادة الإرادة فلم نوجبه، وليس يلزم على الجواز ما يلزم على الوجوب.
  ثم يقال لهم: أليس أحدنا إذا اكتسب فلا بد من أن يريد الاكتساب بإرادة أخرى مكتسبة وإلا لزم وجود ما لا نهاية له من الإرادة المكتسبة، فهلا جاز مثله في مسألتنا، أن يقال: إن اللّه تعالى يريد ما يريده بإرادة محدثة، ثم لا يريد تلك الإرادة بإرادة أخرى حتى لا ينقطع.
  ومتى قالوا: انتهى ذلك في الواحد منا إلى إرادة ضرورية، قلنا لهم: فكان يجب