شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

الاستدلال بالأخبار

صفحة 324 - الجزء 1

  أنهم إذا بلغوا كفروا، فهلا جوزتم أن يخلق اللّه تعالى كثيرا من الأحياء في نار جهنم ويعذبهم فيه ويحسن ذلك منه، لأنه علم من أحوالهم أنهم إذا خلقوا وكلفوا كفروا، وقد عرفنا فساده، وبعد فكان يحب أن تقام عليهم هذه الحدود على وجه العقوبة، لأن المعلوم من حالهم أنهم لو بلغوا ارتكبوا هذه الكبائر من القذف والزنا والسرقة، ومعلوم خلافه.

  ومن بله المجبرة من قال: إن اللّه تعال؟ يأمر أطفال المشركين يوم القيامة بدخول النار فلا يأتمرون ويعصون اللّه تعالى، فيستوجبون العقوبة بذلك. وجوابنا: لم خصصتم هذا بأولاد الكفرة، وهلا قلتم ذلك في غيرهم من الأطفال؟ على أن هذا يوجب أن تكون دار الآخرة دار تكليف، والدلالة قد دلت على خلافه.

الاستدلال بالأخبار

  وربما يتعلقون بالأخبار فيقولون: أليس أن النبي قال لما سألته خديجة عن أطفال لها كانوا في الجاهلية: «لو شئت لأسمعتك في النار» وجوابنا أن هذا الخبر من أخبار الآحاد، ومسألتنا طريقها العلم.

  وبعد، فلو صح هذا الخبر فالمراد بالأطفال: والطفل قد يذكر ويراد به البالغ، قال الشاعر:

  عرصت بعامر والخيل تردى ... بأطفال الحروب مشمرات

  وأحد ما يتعلقون به في هذا الباب، أن حكم أطفال المشركين حكم آبائهم في الاسم والحكم، فيجب أن يكون حكمهم حكم آبائهم في التعذيب.

  وجوابنا، أنا لا نسلم أن حكمهم حكم آبائهم في الاسم، لأن المعلوم الذي لا يشكل أن ابن يومين لا يسمى مشركا ولا يهوديا ولا نصرانيا، وأما في الحكم فإنهم لا يذمون على كفر آبائهم، ولا تؤخذ منهم الجزية، وغير ذلك من الأحكام، وأما المنع من المناكحة والموارثة والدفن في مقابر المسلمين، فلكي يكون تمييزا بينهم وبين أطفال المسلمين لا غير.

  قالوا: كيف يصح هذا، ومعلوم أن حكمهم حكم آبائهم في السبي والقتل؟ قلنا:

  أما السبي فليس هو على طريق العقوبة، وإنما يكون على طريق الابتلاء والامتحان من جهة اللّه تعالى، واللّه تعالى يعوضهم على ذلك أعواضا عظيمة موفية على ذلك، وصار