شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

فصل في الآلام

صفحة 328 - الجزء 1

  دفعه، أو يكون مفسدة فالواجب أن يمنعه اللّه تعالى من ذلك ولا يمكنه منه، لا أن يؤلمنا لمكانه، فصح أنه تعالى لا يصح أن يفعل الإيلام لدفع الضرر وإن حسن منه فعله للنفع والاستحقاق على ما تقدم.

  إذا ثبت هذا، فقول من قال إن الألم لا يحسن إلا إذا كان مستحقا لا يخلو، إما أن يريد به أنه لا يحسن إلا للاستحقاق سواء كان من جهة اللّه تعالى أو من جهة غيره، وذلك فقد أبطلناه بما تقدم، فلقد ذكرنا أنه يحسن للنفع ولدفع الضرر كما يحسن للاستحقاق، وإما أن يريد به أنه وإن حسن من العباد لهذه الوجوه فلا يحسن من اللّه تعالى إلا مستحقا، فالكلام عليه هو أن نقول: لو كان الأمر على ذكرته لكان يجب ألا يحسن من اللّه تعالى إيلام من لا يستحق الإيلام، ومعلوم أن الأنبياء مع أنهم لا يستحقون ذلك ربما تصيبهم الآلام العظيمة.

  فإن قالوا: ما أنكرتم أنهم يستحقون الألم لكبائر ارتكبوها قبل البعثة؟ قلنا: إن الأنبياء لا تجوز عليهم الكبائر لا قبل البعثة ولا بعدها.

  وأيضا، فلو كان كذلك لكان يجب إذا تاب المريض أن يبرأ، لأن التوبة تزيل العقاب وتسقطه، ومعلوم خلافه.

  ومما يوضح ذلك فساد أصحاب النقل القائلين بأن هذه الأرواح تنتقل بهذه الهياكل وأن الإنسان متى عصى اللّه تعالى في قالب نقله إلى قالب آخر وعذبه فيه، هو أنه لو كان كذلك لكان يجب أن يتذكر أحدنا ما كان يجري عليه من الأمور العظيمة، نحو المصيبة بالوالدين، والمصادرة بالرغائب والأموال النفيسة، ونحو الرئاسة والقضاء والتدريس وما جرى مجراه وهو في ذلك القالب، لأن ما ذكرناه من كمال العقل، والمعلوم أن أحدا من الناس لا يتذكر شيئا من هذه الأحوال وهو في هذا القالب، ففسد ما قالوه.

  ومتى قالوا: إن تخلل زوال العقل يمنع من ذلك فليس الأمر على ما ظنوه، فإن قاضي بلدة أو رئيس محلة لو جنّ مدة من الزمان، ثم أفاق وثاب إلى عقله ورجع إليه لبه، لتذكر أنه كان قاضي تلك البلدة أو رئيس تلك المحلة، وهذا هو الجواب إذا قالوا إنما لا يذكر ما يجري عليه لطول المدة، لأن طول المدة مما لا يؤثر في مثل هذه الأمور العظام. وإنما تأثيره فيما لا خطر له. فقد بطل قول أصحاب التناسخ.

  ودخل فساد قول البكرية أيضا تحت هذه الجملة، على أنهم لجهلهم أخرجوا