شبهة الملاحدة في أصل الأعواض
  قبيح من القول، فالأول أن لا نسلم، ونقول: ليس يجب في العوض أن يكون من جنس المنافع التي كانوا ألفوها وتعودوا الانتفاع بها، فلا يمتنع أن يصرف اللّه تعالى شهواتها إلى منافع أخر غير ذلك. على أنه تعالى قادر على أن يخلق للسباع من اللحوم ما يغنيها عن افتراس الحيوانات وإيذائها، فلا يصح ما قالوه بوجه، فعلى هذا يجري الكلام في هذا الفصل.
  فصل، لما مر جملة من الكلام في الآلام الحاصلة من جهة اللّه تعالى، والأعواض المستحقة في مقابلتها، ذكر جملة من الكلام في الآلام الحاصلة من جهتنا.
  وجملة القول في ذلك، أن ما يفعله الواحد منا من الآلام لا يخلو، إما أن يفعله بنفسه أو بغيره.
  وإذا كان مفعولا بنفسه فإما أن يكون حسنا أو قبيحا، فإن كان قبيحا، نحو أن يقتل نفسه أو يشج رأسه أو يقطع عضوا من أعضائه، لم يستحق عليه العوض أصلا على اللّه ولا على غيره، وإن كان حسنا، فعلى ضربين: أحدهما ما يستحق عليه العوض، والآخر ما لا يستحق العوض، الأول: هو كأن يشرب من الأدوية الكريهة المرة المنفرة دفعا للألم الحاصل من جهة اللّه تعالى، فإنه يستحق بذلك العوض على اللّه تعالى لما أحوجه إليها، والثاني: فهو كأن يتجرع الدواء الكريه ليزيد في شهوته وسمنه وما جرى مجراه، فإنه لا يستحق بذلك العوض أصلا لا على اللّه ولا على غيره، إذ لا حاجة به إليه، هذا إذا كان مفعولا بنفسه.
  وأما إذا كان مفعولا بغيره فإنه لا يخلو، إما أن يكون قبيحا أو حسنا، وإذا كان قبيحا فإنه يكون ظلما، ويستحق المظلوم من الظالم العوض لما أوصله إليه من الآلام، إما بالاغتصاب أو بقتل ولده أوشج رأسه أو غير ذلك، ولا تعتبر فيه الزيادة، لأنه لو زاد لخرج عن كونه ظلما وللحق بكونه إحسانا، فإن من هزق على غيره ثوبه ليعطيه في مقابلته عشرة أثواب لم يكن بذلك ظالما إن لم يكن محسنا. وأما إذا كان حسنا فعلى ضربين: أحدهما يستحق عليه العوض، والآخر لا يستحق، الأول، هو كإقامة الحد على التائب، فإن التائب يستحق بذلك العوض على اللّه تعالى حيث أمر اللّه تعالى الإمام بإقامة الحد عليه امتحانا، وأوجب ذلك عليه، والثاني، فكالحدود التي يقيمها الإمام على مستحقيها على سبيل الجزاء والنكال، فإن ذلك إيلام حد، ولا يستحق المؤلم في مقابلته العوض أصلا لا على اللّه ولا على غيره.