الكلام في الخلق والمخلوق
  أو لست قد أثبته متكلما بكلام قديم، ولم يكن يلزمك أن يكون متكلما بسائر ضروب الكلام وأجناسه، فهلا جاز أن يكون متكلما لذاته وإن لم يجب ذلك فيه، وأيضا، فلم لا يجوز أن يكون متكلما بسائر ضروب الكلام وأجناسه، وأكثر ما فيه أن يكون كاذبا شاتما لنفسه مثنيا عليه بسوء الثناء، تعالى اللّه عن ذلك، وهذا كله مما يجوزونه.
  ثم يقال لهم: لم لا يجوز أن يكون متكلما بكلام محدث حال فيه؟
  فإن قالوا: لأنه لو صح حلول الكلام المحدث فيه لصح حلول غيره من المعاني فيه، وذلك مستحيل. قلنا لهم: أوليس أنه يجوز عندكم أن تحله القدرة والعلم والحياة وليس يوجب ذلك صحة أن تحلة سائر المعاني، فهل جاز مثله في مسألتنا؟
  ومتى قالوا: إنا لا نقول بحلول القدرة القديمة والعلم فيه وإنما نجعله قائما به، قلنا: فجوزوا في الكلام المحدث مثله.
  ويقال لهم: لم لا يجوز أن يكون متكلما بكلام موجود لا في محل؟ فإن قالوا:
  لأن المحدث لا يصح حلوله إلا في محل، قلنا: إن هذا باطل بالجواهر فقد وجدت لا في محل مع حدوثها.
  فإن قالوا: كلامه من صفته، والصفة لا تقوم إلا بموصوف قلنا: لم قلتم ذلك؟
  ولا يجدون إلى تصحيح ذلك سبيلا.
  ويقال لهم: لم لا يجوز أن يكون متكلما بكلام محدث موجود في غيره؟ فإن قالوا: لأن ذلك يوجب أن يكون ذلك الغير المتكلم به دونه، قيل له: ولم يجب ذلك؟
  فإن قالوا: لأن المعنى إذا حصل في محل فلا بد من أن يشتق لمحله منه اسم، قلنا:
  هذا باطل بالرائحة والصوت، وعلى أن المتكلم ليس باسم مشتق لمحل الكلام، وإنما هو اسم لفاعل الكلام، بخلاف الأسود والأبيض، فهلا جوزتم ما ذكرناه، ولا بد لكم من تجويزه.
  ثم نقلب عليهم هذه القصة في الكلام القديم فيقال لهم: ما هو قولكم فيه؟
  أتقولون إنه حال فيه تعالى، أو في غيره، أو لا في محل؟ وأي ذلك اختاروه فهو اختيارنا في الكلام المحدث، وهذا من طريق الجدل، وإن كان المذهب في هذا الباب ما قد أوضحناه فيما تقدم.
  ومما يذكرونه في هذا الباب قوله تعالى: {إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ