شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

كيف يكون الحال لو لم يثب الله من استحق الثواب:

صفحة 433 - الجزء 1

  جوزنا ذمه ومعاقبته على إخلاله بما وجب عليه بعد ما أعطى القدرة على ذلك، وخلي بين فعله وأن لا يفعل، وأزيحت علته، فكيف يشبه أحد المذهبين الآخر، وهل هذا إلا من قلة التمييز والتحصيل.

  ومن ذلك قولهم: إنكم إذا جوزتم أن يعاقب المكلف على أن لا يفعل ما وجب عليه، فكأنكم جوزتم أن يعاقب على العدم وذلك محال، لأن هذا الفعل كان معدوما ولم يستحق عليه ذما ولا عقابا، وأيضا، فإن العدم لا يقع فيه اختصاص، فكان يجب إذا أخل أحد بالواجب أن يستحق جميع من في العالم الذم ومعلوم خلافه.

  والجواب عنه كالجواب عما سبق، وهو أنه لم يستحق الذم والعقاب على العدم، حتى يلزم ما ظنوه وإنما استحق ذلك على إخلاله بالواجب مع التمكين وإزاحة العلة.

  ومنها: ما يقولونه في ذلك: أن المكلف لو استحق الذم والعقاب على الإخلال بما وجب عليه، لوجب أن يستحق المدح والثواب على أن لا يفعل ما هو قبيح منه، وهذا يوجب في المكلف إذا جمع بين هذين الأمرين أن يكون مستحقا للثواب والعقاب وذلك محال، ما أدى إليه ويقتضيه وجب أن يكون محالا، وليس ذلك إلا القول بأن لا يفعل ليس حجة في استحقاق المدح والذم والثواب والعقاب.

  وجوابنا، إنما كان يلزم ما ذكرتموه إن لو لم يقل بالإحباط والتكفير فأما ومن قولنا أنه إذا جمع بين هذين الأمرين كان الحكم للأغلب منهما، على ما نقوله فيما لو جمع بين الفعلين استحق على أحدهما الثواب وعلى الآخر العقاب. فإن هذا الكلام ساقط. ومتى قالوا: أن لا يفعل نفي، والنفي لا يقع فيه التزايد فكيف يكون أحدهما أغلب من الآخر، وكيف يثبت لأحدهما حكم لا يثبت مثله في الآخر؟

  كان الجواب، إن التزايد والحال ما ذكرتموه إنما يقع في الثواب المستحق على أن لا يفعل القبيح المستحق على الإخلال بالواجب، على مذهبنا أن الإحباط والتكفير إنما يقعان بين المستحقين، لا على ما يقوله أبو علي أنهما إنما يقعان بين الفعلين أو بين الفعل وأحد المستحقين، فقد هذا السؤال أصلا.

  ومما يورده أصحاب أبو علي في هذا الباب، عبارات لا متعلق لهم بها، نحو قولهم: إن من لم يرد الوديعة أو أخل بغيره من الواجبات، يسمى ظالما وغاصبا ومتعديا إلى غير ذلك من الألفاظ، وهذه الألفاظ والأسامي، إنما تشق عن الأفعال،