شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

مناقشة حول الاستثناء والعموم والخصوص:

صفحة 443 - الجزء 1

  لما لم يتناول الحمار والفرس تناوله العقلاء لم يصح البتة أن يجاب بذكره، وذلك واضح.

  ومما يوضح هذه الجملة، أن السائل لما لم يدر من عنده، وجوز أن يكون واحدا أو جماعة، احتاج إلى أن يورد لفظة شاملة للآحاد والجموع، فقال: من عندك، ثم المجيب يجيب بذكر الحاضرين عنده، فإن كان الحاضر عنده واحدا أجاب بذكره، وإن كان من الحاضرين كثرة أجاب بذكرهم، ففسد ما ظنوه، وهو قولهم: كان ينبغي أن لا يصح الجواب إلا بذكر الجماعة، كما في قوله: أكل الناس عندك، فلا ذلك إلا أن قوله أكل الناس عندك لم يتناول إلا الكل فقط دون كل واحد منهم، فلذلك لم يجز أن يجيب بذكر واحد منهم، بل وجب أن يجيب إما بذكر الكل فيقول: نعم كل الناس عندي، أو لا يجيب بذكر واحد منهم، ويقول: ليس كل الناس عندي، فأما أن يجيب بذكر بعضهم دون الباقين فلا. وليس كذلك هاهنا، فإن قولنا: من عندك، شمل الكل وكل واحد منهم، فصلح بالجواب أن يذكر الآحاد كما يصلح أن يذكر الجميع، فهذا هو الفرق بينهما واللّه أعلم.

  فإن قيل: وأي فائدة في التطويل ولا صورة لما ذكرتموه في كلام اللّه تعالى بل لا يجوز ذلك عليه لأنه استفهام، والاستفهام هو الاستعلام، والاستعلام على العالم لذاته محال.

  قلنا: هب أن الأمر في ذلك على ما ذكرته، أليس يوجد ذلك في كلام الرسول # وفي كلام الأمة على أن غرضنا لم يكن بإيراد ما أوردناه إلا بيان أن في اللغة صيغة موضوعة للعموم والاستغراق، وذلك قد سلم وصح. وأيضا فإن العموم معنى قد عقلوه ومست حاجتهم إلى العبارة عنه، كما مست الحاجة إلى العبارة عن المعاني التي عقلوها، من نحو الأسد والسيف والخمر، فيجب كما وضعوا لكل واحد من هذه الأشياء اسما مع اكتفائهم بالاسم الواحد أن يضعوا للعموم أيضا لفظا، وفي ذلك ما يدلنا على أن في اللغة لفظة موضوعة للعموم، وهذه طريقة ذكرها شيخنا أبو عبد اللّه ¦.

  وإذ مضى طرف من الكلام في أن في اللفظ لفظة موضوعة للعموم، فإنا نعود إلى الاستدلال بعمومات الوعد على أن الفاسق يفعل به ما يستحقه من العقوبة لا محالة، بتوفيق اللّه تعالى.