أدلة المرجئة:
  السماوات والأرض وهما منقطعتان لا محالة، فيجب على العقاب المعلق دوامه بدوامهما أن يكون منقطعا أيضا، والثاني هو أنه تعالى قال: {إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ} فاستثنى وعلق بالمشيئة، وهذا يدل على أن العقوبات مما لا يدوم وينقطع على الحد الذي نقوله ونذهب إليه.
  ومتى قلتم: إن هذا إن أوجب انقطاع عقاب الفساق، فليوجبن انقطاع عقاب الكفار أيضا فالشقاء يتناولهما جميعا.
  قيل لكم: إنا نعلم ضرورة من دين النبي ﷺ أن عقابهم لا ينقطع بل يدوم، ولهذا لا يخالفنا فيه الملحد والموحد، فيجب أن يكون المراد بالآية الفساد دون من عداهم.
  وجوابنا عن ذلك، أن تعليق عقاب الأشقياء بدوام السماوات والأرض لو دل على انقطاع عقاب أهل النار ليدلن على انقطاع ثواب أهل الجنة أيضا، فقد علق اللّه ثواب السعداء بدوام السماوات والأرض، حيث قال: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ}[هود: ١٠٨] ثم قال من بعده: {إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ} فاستثنى منه وعلق بالمشيئة كما في الآية التي قبلها، ومعلوم أن ذلك لا يقتضي انقطاع ثواب السعداء، وكذلك ما قيل، فيجب أن لا يدل على انقطاع عقاب الأشقياء، ثم يقال لهم: إن هذا جهل منكم باللغة وبموضوعها، لأن المراد بقوله: {ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ} التبعيد لا التوقيت، يدلك على ذلك من كتاب اللّه تعالى قوله تعالى: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ} فالمعلوم أنه تعالى لم يرد بهذا الكلام إلا التبعيد فقط، ومن كلام أهل اللسان قولهم: لا أفعل ذلك ما درّ شارق وما لاح كوكب وما ناح قمري وما هتفت حمامة وما لاح عارض وما لبّى اللّه ملبّ وما دعا اللّه داع وما بلّ البحر صوفة، إلى غير ذلك.
  ومن شعر الشعراء قول بشر بن أبي حازم:
  فرج الخير وانتظري إيابي إذا ... ما الفارط الغيري أبا
  وقال آخر:
  وأقسم المجد حقا لا يحالفهم ... حتى يحالف بطن الراحة الشعر
  وقال آخر: