شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

أدلة المرجئة:

صفحة 457 - الجزء 1

  والثالث: أنه تعالى أضاف في الآية الغفران إلى نفسه فقال: {وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ} والذي يتعلق به من المغفرة ليس إلا مغفرة أصحاب الكبائر دون التائب وأصحاب الصغائر، فإن التائب بتوبته قد أزال ما استحق من العقاب، وكذلك صاحب الصغيرة باجتنابه الكبائر قد أزال عن نفسه ما استحق من العقوبة، ولا حاجة بهما إلى من يزيل عنهما العقوبة، والمغفرة إنما هو إزالة ما يستحق المرء من العقوبة، ولا يتصور والحال ما قلناه إلا في صاحب الكبيرة دون من سواه.

  والرابع: هو أن قوله: {يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ} عام، يتناول الصغائر والكبائر جميعا، ألا ترى أن القائل إذا قال: ما في كيسي فهو لفلان عمّ جميع ما فيه وشمل، حتى أن له أن يستثني أي قدر شاء، فيجب القضاء بأنه تعالى يغفر ما دون الشرك صغيرا كان أو كبيرا.

  والخامس: هو أن لفظة دون لا تستعمل إلا فيما قرب من الشيء دون ما بعد عنه، ألا ترى أن القائل إذا قال: الألف فما دونه ليس يجوز أن يريد به الألف، والشعيرة، وإن كان يجوز أن يريد به الألف وتسع مائة أو ما يجري هذا المجرى.

  فهذه هي الوجوه التي أوردوها في هذا الباب، ونحن نجيب عن فصل من ذلك، بعد أن نجيب عن الكل بجواب مقنع إن شاء اللّه تعالى.

  اعلم أن مشايخنا رحمهم اللّه قالوا: إن الآية مجملة مفتقرة إلى البيان، لأنه قال:

  {وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ} ولم يبين من الذي يغفر له، فاحتمل أن يكون المراد به أصحاب الصغائر، واحتمل أن يكون المراد به أصحاب الكبائر، فسقط احتجاجهم بالآية.

  وإذا سئلنا عن بيانه في قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ}⁣[النساء: ٣١] وعلى هذا قال الحسن البصري لما سئل عن هذه الآية: يا لكع، أما سمعت بيانه في قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ} الآية، فهذا أحد ما نمنعهم به من الاستدلال بهذه الآية.

  ووجه آخر، هو أن أكثر ما في الآية تجويز أن يغفر اللّه تعالى ما دون الشرك على ما هو مقرر في العقل، فلو خلينا وقضية العقل لكنا نجوز أن يغفر اللّه تعالى ما دون الشرك لمن يشاء إذا سمعنا هذه الآية، غير أن عمومات الوعيد تنقلنا من التجويز إلى القطع على أن أصحاب الكبائر يفعل بهم ما يستحقونه، وأنه تعالى لا يغفر لهم إلا