شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

أدلة المرجئة:

صفحة 458 - الجزء 1

  بالتوبة والإنابة.

  ومتى قيل: فما تلك العمومات؟ قلنا: قد احتججنا بها في المسألة، نحو قوله:

  {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً} ونحو قوله: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} ونحو قوله: {بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ٨١} ونحو قوله: {إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ ١٣} الآية، إلى غير ذلك مما يكثر عدّه.

  ونعود بعد هذه الجملة إلى تفصيل الكلام عليهم في التعلق بهذه الآية، فنقول:

  إن ما ذكرتموه أولا، أن التفضل إذا كان مضمرا في الجملة الأولى يجب أن يكون مضمرا في الجملة الثانية دعوى، فما دليلكم عليها؟

  فإن قالوا: لا إشكال في ذلك، فمعلوم أن القائل إذا قال لا آكل الفاكهة على الشبع وآكل الحلوى، كان مراده وآكل الحلوى على الشبع، وكذلك هاهنا.

  قلنا: إن هذا ليس بوزان، مسألتنا، فإن الشبع مذكور في الجملة الأولى مظهر فيها، فلا يمتنع أن يكون مضمرا في الجملة الثانية، وليس كذلك ما نحن فيه، فإن التفضل غير مذكور في الجملة الأولى ولا مظهر فيها حتى يجب أن يكون مضمرا في الجملة الثانية، بل إنما أثبتناه في الجملة الأولى لدلالة دلت عليه، وحجة قامت به، ووجه اقتضاه، ولم يثبت مثل تلك الأدلة فيما دون الشرك، فبطل احتجاجهم من هذا الوجه. وبعد، فليس يجب إذا كان الشيء مظهرا في الجملة الأولى من الكلام أن يكون مضمرا في الجملة الثانية لا محالة، فإن قائلا لو قال: لا أعطي أهل الريّ شيئا وأعطي العلماء، لم يقتض قوله هذا كون العلماء من الريّ، بل يجوز أن يكونوا من البصرة أو غيرها من البلدان، كذلك هاهنا. وبهذه الجملة أجبنا الحنفية عن قولهم: إن قول النبي : «ألا لا يقتل مؤمن بكافر» يجب أن يكون محمولا على الحربي لأنه قال بعد ذلك: «ولا ذو عهد في عهده»، فيكون المراد به ولا ذو عهد في عهده بكافر، لأن الكافر إذا كان مذكورا في الجملة الأولى فلا بد من أن يكون مضمرا في الجملة الثانية لا محالة، ولن يكون كذلك إلا والمراد بالكافر المذكور في الخبر الحربي، فالمعلوم أن الذمي يقتل بالذمي وإنما الذي لا يقتل بالذمي هو الحربي.

  وقلنا: إن قوله ألا لا يقتل مؤمن بكافر، كلام مستقل بنفسه، وليس يجب إذا كان فيه ذكر الكافر أن يكون ذلك مضمرا في الجملة التي تليه لا محالة.