أدلة المرجئة:
  صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ٨٢} فأضاف الغفران إلى نفسه، مع أنه واجب عليه فكيف يصح ما قالوه؟
  ومتى قيل: إن استعمال الغفران في هذا الموضع مجاز، قلنا: إن ذلك مما لا وجه يقتضيه، وكيف يقال إنه مجاز في هذا الموضع، مع أنه يطرد على هذا اطراده في غير هذا الموضع.
  وأما ما قالوه رابعا: من أن «ما» عام، فإنه وإن كان كذلك، إلا أنه لا يجوز أن يعم هاهنا لأنه قال في آخره: {لِمَنْ يَشاءُ} فيجب أن يكون المراد به ويغفر لبعض مرتكبي ما دون الشرك، وجرى في ذلك مجرى قول القائل: لا أعطي الزيدين شيئا، وأعطي العمرين من أشاء، فكما أنه يريد به التبعيض دون العموم، فكذلك هاهنا.
  وأما ما قالوه خامسا، من أن لفظ دون، إنما تستعمل في ما قرب من الشيء دون ما بعد عنه، فلا يصح، لأنه يجوز استعماله في الموضعين جميعا حقيقة، ولهذا فإن أحدنا إذا قال: السلطان فمن دونه في بلد كذا لما شملهم من القحط في شدة وبلية لم يجب أن يريد به السلطان ووزيره، بل يريد به من عداه من الأكابر والأصاغر، وإذا كان هذا هكذا فقد سقط تعلقهم بالآية من هذه الوجوه، وثبت أن المراد بها التائب وصاحب الصغيرة على ما ذكرناه.
  وأحد ما يتعلقون به، قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} وجوابنا أنه لا تعلق لكم بظاهر الآية، لأن ظاهرها يقتضي أن يغفر اللّه تعالى الذنوب كلها سواء كان ذنبا للكفرة أو الفسقة.
  ومتى قالوا: إن الكافر مستثنى منه بقوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} قلنا:
  فكذلك الفاسق المرتكب الكبيرة المصرّ على ذلك مستثنى منه بقوله: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ} الآية. وعلى ما قالوه إغراء للمكلف بالقبيح، وذلك لا يحسن من اللّه تعالى، فيجب أن يكون المراد به أنه يغفر الذنوب جميعا بالتوبة. وعلى هذا قال عقيبه: {وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ} وأكده بقوله: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ}، فلو لا أن المراد به، ما ذكرناه، وإلا كان لا يكون لقوله جل وعز: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ} معنى، ومتى قالوا: إن المراد بقوله: {وَأَنِيبُوا} الإنابة إلى الإسلام لا الإنابة التي هي التوبة، بدليل الآيات التي ذكرها اللّه تعالى بعده، نحو قوله: {وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ} إلى قوله: {أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً