شبه المرجئة:
  الكافرون ومعلوم أن صاحب الكبيرة آيس من رحمة اللّه تعالى، فيجب أن يكون كافرا.
  وجوابنا أنا لا نسلم أنه آيس من روح اللّه، فكيف يكون كذلك مع أنه على رجاء أن يتوب اللّه تعالى ويلطف له فيه فينجو من عذابه، ويستحق ثوابه.
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ:
  وأحد ما يستدلون به، قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} قالوا: إن اللّه تعالى صنف المكلفين هذين الصنفين، وصاحب الكبيرة لا بد أن يكون من أحد الصنفين، وقد ثبت أنه ليس بمؤمن، فيجب أن يكون كافرا.
  وجوابنا، أنا قد ذكرنا غير مرة، أن إثبات صنفين لا يدل على نفي ثالث، وبعد، فإن لفظة «من» في قوله: {فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} للتبعيض، فكأنه قال: هو الذي خلقكم فبعضكم كفر وبعضكم آمن، وليس فيه أنه لا ثالث لهذين القسمين.
  فهذه جملة ما يتعلق به الخوارج.
شبه المرجئة:
  وأما المرجئة فقد تعلقت في أن صاحب الكبيرة مؤمن بشبه: من جملتها، لو كانت الصلاة من الإيمان، لوجب فيمن ترك صلاة واحدة أن يوصف بأنه تارك للإيمان، وقد عرف خلافه.
  وجوابنا: أن هذا إنما يلزم أن لو قلنا: إن الإيمان هو الصلاة فقط، وأن الصلاة بمجردها هي الإيمان، فأما إذا قلنا إن الصلاة من الإيمان وجزء من أجزائه، فإن الذي يجب في تاركه أن يكون تاركا لجزء من أجزاء الإيمان، وخصلة من خصال الإيمان، ومتى امتنعنا من إطلاق هذا اللفظ على من أدى الواجبات واجتنب المقبحات، فلأن ذلك يوهم الخطأ ويقتضي استحقاقه للذم وإن كان إذا أريد به هذا المعنى كان صحيحا، وغير ممتنع في الكلمة إذا كان لها معنيان يصح أحدهما ولا يصح الآخر، أن لا يجوز من الواحد منا استعمالها، كقولنا عاص، فإن العصيان في الحقيقة يتناول الصغيرة والكبيرة جميعا، غير أنه لا يجوز لنا أن نطلقه على الأنبياء $، وإن أردنا به المعنى الصحيح لإيهامه الخطأ، والقديم تعالى لما ثبتت حكمته ولم يثبت في حقه هذا المانع، جاز منه إطلاق ما هذا سبيله ولهذا قال: {وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى}.
  ويزيد ما ذكرناه وضوحا، أن الخشبة والزجاجة حجتان من حجج اللّه تعالى، ثم