شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

شبه المجبرة مع المجوس:

صفحة 524 - الجزء 1

  نرميهم بهذا اللقب، وهم يرموننا به. وقد حكي عن بعضهم أنه قال: إن المعتزلة كانت تلقبنا بالقدرية، فقلبناها عليهم، وقد أعاننا السلطان على ذلك.

  والذي يدل على أنهم هم القدرية، ما ذكره قاضي القضاة في مجلس بعضهم وقد سئل عن هذه المسألة، وتحريره أن الاسم اسم ذم، فيجب أن يجري على من له مذهب مذموم في القدر، وليس ذلك إلا مذهب المجبرة.

  ومما يدل على ذلك أيضا، قول النبي : القدرية مجوس هذه الأمة فشبه القدرية بالمجوس على وجه لا يشاركهم فيه غيرهم، فبناء ننظر أي المذاهب يشبه المجوس على هذا الحد، فليس ذلك إلا مذهب هؤلاء المجبرة فإنه يضاهي مذهب المجوس من وجوه:

شبه المجبرة مع المجوس:

  أحدها: هو أن المجوس يقولون في نكاح البنات والأمهات: بقضاء اللّه وقدره، ولا يشاركهم في القول بذلك إلا هؤلاء المجبرة، إذ لا أحد سواهم يقول فيما يجري هذا المجرى أنه بقضاء اللّه تعالى وقدره.

  وأحدها: هو أن المجوس يقولون إن مزاج العالم وهو شيء واحد حسن من النور قبيح من الظلمة، ولا يشاركهم في القول بذلك إلا المجبرة لأنهم هم الذين يقولون إن الكفر وهو شيء واحد يحسن من اللّه تعالى ويقبح من الواحد منا، يحسن من حيث خلقه اللّه تعالى ويقبح من حيث كسبه.

  وأحدها: هو أن المجوس يجوزون الأمر بما ليس في الوسع ولا في الطاقة، والنهي عما لا يمكنه الانفكاك منه، يقال: إنهم يصعدون ببقرة إلى شاهق، ويشدون قوائمها ثم يدهدونها، ويقولون: انزلي ولا تنزلي، مع أن البقرة لا يمكنها الانفكاك من النزول ولا الإتيان بخلافه، وهذه حال القوم، لأنهم يقولون إن اللّه تعالى كلف الكافر الإيمان مع أنه لا يمكنه فعله ولا الإتيان به، ونهاه عن الكفر مع أنه لا يتصور الانفكاك منه.

  وأحدها: هو أن المجوس قالوا: إن القادر على الخير لا يقدر على خلافه بل يكون مطبوعا عليه، وكذلك القادر على الإيمان لا يقدر على الكفر بل يكون محمولا عليه، والقادر على الكفر لا يقدر على الإيمان بل يكون مطبوعا عليه لا يمكنه مفارقته