شبه المجبرة مع المجوس:
  ولا الانفكاك منه.
  ومما يدل على أن القوم هم القدرية وهم مجوس الأمة، قول الرسول # في آخر الخبر: «وهم خصماء الرحمن وشهود الزور وجنود إبليس» وهذه الأوصاف لا توجد إلا فيهم، لأنهم هم الذين يخاصمون اللّه تعالى إذا عاقبهم على المعاصي وسألهم عنها، ويقولون: إنك أنت الذي خلقت فينا المعصية وأردتها منا فما لك تعذبنا وتعاقبنا. وكذلك فإنهم هم الذين يشهدون الزور لإبليس وغيره من الشياطين إذا سألهم اللّه عن الإضلال والإغراء والإفساد، وقال لهم: أضللتم عبادي وأغويتموهم، فيجيبون بأنا لم يكن لنا في شيء من ذلك ذنب، بل كنت أنت المتولي لجميع ذلك، فيطالبهم اللّه تعالى بإقامة الحجة فلا يجدون إلا شهادة هؤلاء القوم سبيلا. وهم الذي يتعصبون للشياطين في الدارين جميعا، ألا ترى أنا إذا أردنا ذمهم ولعنهم يمنعوننا عن ذلك ويقولون ما بالكم تلعنون من لا يتعلق به من الإخلال أو الإغراء إلا مجرد هذه الإضافة دون المعنى، وأما في الدار الآخرة فإنه تعالى إذا رام عقابهم على ذلك ومعاتبتهم عليه، قالوا: إنك أنت الذي خلقت فيهم الضلال، وأقدرتهم على الاضلال، فما بالك تعذبهم به.
  ويدل على ذلك أيضا، ما روي عن النبي ﷺ أنه قال: لعن اللّه القدرية على لسان سبعين نبيا، قيل من القدرية يا رسول اللّه، قال: الذين يعصون اللّه تعالى ويقولون: كان ذلك بقضاء اللّه وقدره.
  ومما يدل على ذلك أيضا هو أن القدري اسم نسبة، والنسبة قد تكون نسبة قرابة كنسبة الرجل إلى أبيه أو جده أو أحد أقربائه المعروفين كقولهم: هاشميّ وعربيّ وعلوي، وقد تكون نسبة الرجل إلى حرفته وصناعته المعروف هو بها، نحو باقلاني وقلانسي وصيدلاني وما يجري هذا المجرى، وقد تكون نسبته إلى بلده الذي يسكنه هو أو كان قد سكنه أبوه أو جده نحو بغدادي وبصري ورازي وما يجري مجراه، وقد تكون نسبته إلى لهجة بكلمة وحرصه على تكريرها وذلك نحو ما نقوله: الخارجي حكمي لولوعه وشدة حرصه على قول: لا حكم إلا للّه. إذا ثبت هذا، ووجوه النسبة كلها مفقودة في هذا الاسم إلا هذا الوجه الأخير، فالواجب أن ينظر أن لهج أي القوم بالقضاء والقدر أكبر، وحرص أيهم أشد، ومعلوم أن القوم هم الذين يولعون بالإكثار من قولهم: لا تسقط ورقة ولا تنبت شجرة ولا تحدث حادثة إلا بقضاء اللّه وقدره، فيجب أن يكونوا هم القدرية.