شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

شبه المجبرة مع المجوس:

صفحة 526 - الجزء 1

  ومما يدل على أنهم هم المستحقون لهذا الاسم، هو أنه اسم إثبات فلا يستحقه إلا المثبت للقدر، والذي يثبتون القدر هم المجبرة، فأما نحن فإنا ننفيه وننزه اللّه تعالى عن أن تكون الأفعال بقضائه وقدره، فيجب أن يكونوا هم الموسومون بهذا الاسم.

  وبهذا أبطلنا قولهم لنا: إنكم المستحقون لهذا الاسم فقد نفيتم القدر وقلتم لا قدر، فقلنا: القدري اسم إثبات، ولا يجري إلا على من أثبت القدر على الوجه المذموم دون من نفاه تنزيها لربه عن الأفعال القبيحة.

  قالوا: أنتم بهذا الاسم أحق منا فقد أثبتم القدر لأنفسكم، قلنا: إن القدر بمعزل عن القدرة، فما هذه الجهالة؟ وعلى أنه لا يخلو حالنا وقد أثبتنا القدر لأنفسنا من أحد أمرين: إما أن نكون صادقين، أو كاذبين. فإن صدقنا لم نستحق به اسم ذم وصار سبيلنا سبيل من أثبت القدرة للّه تعالى، وحكم بكونه تعالى قادرا، فكما أنه لا يستحق بذلك أن يسمى قدريا ويجري عليه اسم من أسماء الذم، كذلك إذا أثبتنا القدرة لأنفسنا وإن كذبنا لم يجز إجراء هذا الاسم علينا، وصار الحال فيه كالحال فيمن أثبت الصناعة لنفسه ولا علم له بها البتة، فكما أنه لا يستحق بذلك أن يسمى صانعا، كذلك في مسألتنا.

  قالوا: فهلا رضيتم منا بمثل هذا الكلام؟ قلنا: ولا سواء، لأنا إنما سميناكم القدرية لقوله : «القدرية مجوس هذه الأمة» ولأن الاسم اسم نسبة ووجوه النسبة كلها مفقودة سوى اللهج بذكر القضاء والقدر، والذين يلهجون بذلك ليس إلا أنتم، فاستحققتم هذا الاسم لا محالة.

  قالوا: أنتم القدرية من الأمة، فمذهبكم الذي يضاهي مذهب المجوس حيث أثبتم فاعلين صانعين، كما أنهم أثبتوا فاعلين أحدهما النور والآخر الظلمة.

  قلنا: إن مذهبنا هذا لا يضاهي مذهب المجوس، فلسنا نثبت صانعين على الحد الذي أثبتوه، لأن القوم جعلوا النور فاعلا للخير بطبعه على حد لا يمكنه مفارقته، والظلمة فاعلة للشر بطبعها على حد لا يصح منها الانفكاك على حد لا يمكنه مفارقته، والظلمة فاعلة للشر بطبعها على حد لا يصح منها الانفكاك منه، فليس هذا حالنا: فإنا إنما أثبتنا فاعلين يفعلان ما يفعلانه على طريقة الاختيار والإيثار. وعلى أن مذهبنا إن كان يشبه مذهب المجوس من هذا الوجه فهو مشبه لمذهب اليهود والنصارى، فالكل يوافقوننا على أن هذه الأفعال تتعلق بنا ونحن الموجودون لها، وقد شبه النبي القدرية بالمجوس على حد لا يشارك مذهبهم مذهب غيرهم، وذلك ثابت في المجبرة