شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

هل يجوز أن لا يبين الله للمكلف صفة ما كلفه

صفحة 343 - الجزء 1

هل يجوز أن لا يبين اللّه للمكلف صفة ما كلفه

  وهو أن قال: أتجوزون على اللّه تعالى أن يكلف عبده، ثم لا يبين له صفة ما كلفه؟

  والأصل في ذلك، أنا لا نجوز على اللّه تعالى أن يكلف عبده ثم لا يبين له صفة ما قد كلفه، بل نقول: إنه تعالى إذا كلف عبده فلا بد من أن يبين له صفة ما قد كلفه وإلا لم يمكنه الإتيان بما كلفه على الحد الذي كلفه، حتى لو لم يبين ذلك لكان تكليفه إياه عبثا لا فائدة فيه.

  والذي يدل على صحة ما نقوله، هو أن اللّه تعالى إذا كلفنا أمرا من الأمور، فإن تكليفه إيانا بذلك الفعل لا يتعلق بعينه وذاته، وإنما المبتغى إيقاعه على وجه دون وجه، فمتى لم يبين له الوجه الذي يريد أن يوقعه عليه كان عابثا من حيث أمره بما لا يمكنه الانتفاع به والاهتداء إليه، ويكون ظالما أيضا لأن تكليفه بالفعل والحال ما ذكرناه كتكليفه به وهو لا يطيقه.

  يزيد ما ذكرناه وضوحا، أنه لا يحسن من أحدنا أن يقول لعبده افعل شيئا، ولا يبين له صفة ما يفعله، حتى لو كلفه على هذا الوجه لسخر منه وهزئ، وإذا ثبت هذا في الشاهد فكذلك في الغائب، فمن العجب أن جل المجبرة مع تجويزهم سائر القبائح على اللّه تعالى لا يجوزون هذا لظهور الحال فيه، إلا شرذمة قليلون فإنهم جرءوا على القياس، وقالوا: إن هذا ليس بأقبح من تكليف ما لا يطاق، ولقد أصابوا في خطئهم هذا، فإن تكليف ما لا يطاق إن لم يزد في القبح على هذا لا ينقص عنه، وقد جوزوا ذلك على اللّه تعالى.

  والجواب عن ذلك، ما تعنون بالجواز؟ فإن أردتم به الحسن، فذلك غير مسلم، وإن أردتم به الوقوع، فلسنا نقول إن وقوعه مستحيل على الإطلاق. وإنما نقول إن وقوعه من اللّه تعالى يستحيل، وإنما يستحيل منه ذلك لأنه عدل حكيم لا يختار القبح أصلا، ولم يثبت كون الواحد منا عدلا حكيما حتى يقاس أحدهما على الآخر. وإنما يورد على كلامنا هذا، أنه تعالى إذا جاز أن يكلف العاجز والمعدوم فهلا جاز أن يكلفه وإن لم يبين له صفة ما قد كلفه، ولهذا أورد | هذا الكلام عقب ما تقدم، وهذا كما يمكن إيراده على هذا الوجه، فقد يمكن أن يورده المجبرة ابتداء، ويقولوا: إذا جاز أن يكلف اللّه تعالى العاجز والمعدوم وهو قبيح، فهلا جاز أن يفعل