مما يكثر تجرد خبره من أن كرب
  
= ابن إسماعيل بن هشام بن المغيرة، والى المدينة من قبل هشام بن عبد الملك بن مروان - وكان قد مدحه من قبل فلم ترقه مدحته، ولم يعطه، ولم يكتف بالحرمان، بل أمر به فضرب بالسياط، وأول هذه الكلمة قوله:
مدحت عروقا للنّدى مصّت الثّرى ... حديثا، فلم تهمم بأن تترعرعا
نقائذ بؤس ذاقت الفقر والغنى ... وحلّبت الأيّام والدّهر أضرعا
اللغة: «مصت الثرى حديثا» أراد أنهم حديثو عهد بنعمة؛ فكنى عن ذلك المعنى بهذه العبارة، ولما عبر عنهم أولا بالعروق جعل الكناية من جنس ذلك الكلام «بأن تترعرعا» يروى براءين مهملتين بينهما عين مهملة، ويروى «تتزعزها» بزاءين معجمتين بينهما عين مهملة كذلك، ومعناه تتحرك، يريد أنهم حدثت لهم النعمة بعد البؤس والضيق؛ فليس لهم فى الكرم عرق ثابت؛ فهم لا يتحركون للبذل، ولا تهش نفوسهم للعطاء «نقائذ» جمع نقيذ، بمعنى اسم المفعول، يريد أن ذوى قرابة هؤلاء أنقذوهم من البؤس والفقر «أضرع» هو جمع ضرع، والعبارة مأخوذة من قول العرب: حلب فلان الدهر أشطره، يريدون ذاق جلوه ومره «ذوو الأحلام» أصحاب العقول، ويروى «ذوو الأرحام» وهم الأقارب من جهة النساء «سجلا» - بفتح فسكون - الدلو ما دام فيها ماء قليلا كان ما فيها من الماء أو كثيرا، وجمعه سجال، فإن لم يكن فيها ماء أصلا فهى دلو لا غير. ولا يقال حينئذ سجل، والغرب - بفتح الغين المعجمة وسكون الراء المهملة، وكذلك الذنوب - بفتح الذال المعجمة - مثل السجل، يريد أن الذى منحه ذوو أرحام هؤلاء إياهم شئ كثير لو وزع على الناس جميعا لوسعهم وكفاهم، ولكنهم قوم بخلاء ذوو أثرة وأنانية؛ فلا يجودون وإن كثر ما بأيديهم وزاد عن حاجتهم.
المعنى: إن هذه العروق التى مدحتها فردتنى إنما هى عروق ظلت فى الضر والبؤس حتى أنقذها ذوو أرحامها بعد أن أوشكت أن تموت، ويقصد بذوى أرحامها بنى مروان.