وليس قرب قبر حرب
  أما دخول المركب فى الإسناد المفيد فى الكلام فلا إشكال فيه، وكذا دخول الكلمة الواحدة فى المفرد، وأما المركب غير المفيد، فقيل: داخل فى الكلام لأنه ربما يكون بيت غير مشتمل على الإفادة، ومع ذلك فهو يوصف بالفصاحة، فيدخل فى الكلام، ورد بأن وصفه بالفصاحة لا يستلزم تسميته كلاما؛ حتى يدخل فى مسماه، وإنما المقتضى لدخول المركب الغير المفيد فى الكلام أن يقال فيه مثلا: هذا كلام فصيح لا وصفه بالفصاحة فقط؛ لأن الوصف بالفصاحة أعم من التسمية بالكلام، والأعم لا يستلزم الأخص، فيجوز أن يكون وصفه بالفصاحة؛ لكون كلماته فصيحة لا لكونه كلاما مركبا مع فصاحة الكلمات، وقيل: داخل فى المفرد؛ لمقابلته بالكلام، والكلام إذا أطلق ينصرف عرفا للمفيد، فيكون مقابلة ما ليس كذلك، فيدخل فى المفرد المركب الغير المفيد، وإنما جعلنا مقابلته بالكلام دليلا على ما ذكر؛ لأن المفرد يذكر فى مقابلته المثنى، فيراد به ما ليس بمثنى، وفى مقابلته المركب، فيراد به ما ليس بمركب، وفى مقابلته الكلام، وقد تقدم أن الكلام على الإطلاق ينصرف إلى المفيد، فيراد به ما ليس بكلام مفيد، فيدخل فيه المركب الغير المفيد، ولكن يتوقف على تسليم هذه المقابلة، والمشهور فى المقابلة مقابلته بالجملة، وهى أعم من المفيد، ويرد عليه أيضا لزوم دخول غير الفصيح من المركب الغير المفيد فى تعريف فصاحة المفرد فيما سيأتى؛ لأنه قال فيه: فالفصاحة فى المفرد خلوصه من تنافر الحروف إلخ، ولا شك أنه يصدق على مثل قوله فى المثال الآتى - إن شاء الله تعالى -
وليس قرب قبر حرب(١)
  أنه خلص من تنافر الحروف إلى آخر القيود إذ الموجود فيه تنافر الكلمات لا تنافر الحروف، فيكون مفردا فصيحا، وليس كذلك: إلا أن يقال: تنافر الكلمات يرجع
(١) البيت هو:
وقبر حرب بمكان قفر ... وليس قرب قبر حرب قبر
الرجز أنشده الجاحظ كما في دلائل الإعجاز ص ٥٧، وهو مجهول القائل، ويدعى بعض الناسبين أنه لجنى رثى به حرب بن أمية جد معاوية بعد أن هتف به فمات.