أقسام الكناية
  (بواسطة ف) تلك الكناية (بعيدة) أي تسمى بذلك اصطلاحا لبعد زمن إدراك المقصود منها؛ لاحتياجها في الغالب إلى استحضار تلك الوسائط، وظاهره أنها بعيدة ولو كانت الواسطة واحدة؛ لأن فيها بعدا ما باعتبار ما لا واسطة فيها أصلا، ثم مثل للبعيدة فقال: (كقولهم: كثير الرماد) حال كون هذا القول (كناية عن المضياف) أي كثير الضيافة التي هي القيام بحق الضيف، فكثرة الرماد كناية عن المضيافية بكثرة الوسائط، ثم أشار إلى تلك الوسائط بقوله (فإنه) أي: إنما قلنا: إن كثرة الرماد كناية عن المضيافية بكثرة الوسائط؛ لأن الشأن هو هذا، وهو أنه (ينتقل) من كثرة الرماد المكنى به (إلى كثرة إحراق الحطب تحت القدور) ضرورة أن الرماد لا يكثر إلا بكثرة الإحراق، ولما كان مجرد كثرة الإحراق لا يفيد هنا وليس بلازم في الغالب؛ لأن الغالب من العقلاء أن الإحراق لفائدة الطبخ، وإنما يكون الطبخ إذا كان الإحراق تحت القدور زاده، ليفيد المراد وليتحقق الانتقال (و) ينتقل (منها) أي من كثرة الطبخ (إلى كثرة الطبائخ) جمع طبيخ أي: ما يطبخ؛ لأن غالب العقلاء أن الإحراق إنما هو للطبخ كما ذكرنا (و) ينتقل (منها) أي: من كثرة الطبائخ (إلى كثرة الأكلة) أي: الآكلين لذلك المطبوخ؛ فالأكلة جمع آكل، وذلك لأن العادة أن المطبوخ إنما يطبخ ليؤكل، فإذا كثر كثر الآكلون له (و) ينتقل (منها) أي: من كثرة الأكلة (إلى كثرة الضيفان) بكسر الضاد جمع ضيف وذلك لأن الغالب أن كثرة الأكلة إنما تكون من الأضياف؛ إذ الغالب أن الكثرة المعتبرة المؤدية لما ذكر من الرماد لا تكون من العيال (و) ينتقل (منها) أي: من كثرة وجود الضيفان للموصوف (إلى المقصود) وهو المضيافية، والفرق بين كثرة الضيفان والمضيافية حتى ينتقل من أحدهما إلى الآخر أن كثرة وجود الضيفان وصف للأضياف والمضيافية للمضيف؛ إذ هي القيام بحق الضيف كما تقدم، وهما متلازمان، ولشدة اللزوم بينهما ربما يتوهم اتحادهما فيقال: ليس هنالك انتقال.
  وقد ذكر المصنف أربع وسائط بين الكناية والمقصود وزاد بعضهم بعد كثرة الرماد كثرة الجمر فكانت الوسائط به خمسة والخطب في مثل ذلك سهل، ثم إن كثرة الوسائط من شأنها خفاء الدلالة، وقلتها من شأنها وضوحها، وإذا انتفت رأسا ظهرت