مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

الكناية العرضية

صفحة 467 - الجزء 2

  المسلم من لا يؤذي كناية عن كون المؤذي في الجملة ليس بمسلم، ولم يقصد تعريض بمعين، ولكن المراد التفريق بينه وبين الكناية مع عموم العلة - أي: علة التسمية لهما - وأن هذا هو الذي يحمل عليه الكلام، وأنه هو المعتبر حتى سمى، ثم المتبادر من ظاهر العبارة أن المعنى المعرض به وهو المدعي في تسمية الكناية تعريضا هو المكنى عنه، فعلى هذا يكون التعريض في باب الكناية هو أن يكنى عن معنى غير مذكور موصوفه، ويظهر مما يأتي في قوله: والتعريض قد يكون مجازا أن التعريض في باب المجاز هو أن يعبر عن اللازم بالملزوم، فعلى هذا يكون تفصيل التعريض إلى المجاز والكناية أن المعنى المعرض به إن صح أن يراد مع الأصل كان كناية، وإن لم يصح إلا إرادته كان مجازا فيكون مفهوم التعريض أخص من مفهوم الكناية والمجاز.

  والتحقيق أن التعريض ليس من مفهوم الحقيقة فقط ولا من المجاز ولا من الكناية؛ لأن الحقيقة هي اللفظ المستعمل في معناه الأصلي، والمجاز هو المستعمل في لازم معناه فقط، والكناية هو المستعمل في اللازم مع جواز إرادة الأصل، والتعريض أن يفهم من اللفظ معنى بالسياق والقرائن من غير أن يقصد استعمال اللفظ فيه أصلا، ولذلك يكون لفظ التعريض حقيقة تارة كما إذا قيل: لست أتكلم أنا بسوء فيمقتني الناس، وأريد إفهام أن فلانا ممقوت؛ لأنه كان تكلم بسوء فالكلام حقيقة، ولما سبق عند وجود فلان متكلما بسوء كان فيه تعريض بمقته، ولكن فهم هذا المعنى بالسياق لا بالوضع، ويكون مجازا تارة كما إذا قيل: رأيت أسودا في الحمام غير كاشفي العورة فما مقتوا ولا عيب عليهم تعريضا بمن حضر منهم أنه كشف العورة في الحمام فمقت وعيب عليه فقد فهم المقصود، لكن بالسياق من المعنى المجازي، ويكون كناية تارة كما إذا قلت: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده كناية عن كون من لم يسلم المسلمون من لسانه غير مسلم، ويفهم منه بطريق التعريض الذي هو الإفهام بالسياق أن فلانا المعين ليس بمسلم، فما ذكر على هذا من أن الكناية تكون تعريضا معناه أن اللفظ قد يستعمل في معنى مكنى عنه ليلوح بمعنى آخر بالقرائن والسياق كما في هذا، فإن حصر الإسلام فيمن لا يؤذي من لازمه انتفاؤه عن مطلق المؤذي، فإذا استعمل هذا