مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

فصل: الموازنة بين المجاز والحقيقة

صفحة 477 - الجزء 2

  كالأسد؛ لأن أصل التشبيه الإشعار بكون الوجه في المشبه به أقوى، فلا مساواة، فقد ظهر أن الاستعارة تفيد المبالغة في تسوية المشبهين في الوجه والمبالغة في تقرير اللازم في الذهن بالانتقال، وذلك اللازم هو المشبه باعتبار الوجه على ما تقدم تحقيقه، فلذا فصلها مع مقابلها عن الحقيقة والمجاز، ثم إن الشيخ عبد القاهر له كلام هنا فهمه المصنف على وجه فاعترضه ثم أجاب، ورد عليه الشارح فحمله على وجه أخر وخطأ المصنف في فهمه، ورد على الشارح بعض المحققين بما يظهر أنه هو الحق، فلنورد ما يفهم به حاصل ما قال كل منهم، وذلك أن الشيخ عبد القاهر قال ليس السبب في كون المجاز والاستعارة والكناية أبلغ أن واحدا من هذه الأمور يفيد زيادة في نفس المعنى لا يفيدها خلافه؛ بل لأنه يفيد تأكيدا لإثبات المعنى لا يفيده خلافه، فليست مزية قولنا: رأيت أسدا على قولنا: رأيت رجلا شجاعا هو والأسد سواء في الشجاعة أن الأول أفاد زيادة في مساواته الأسد في الشجاعة لم يفدها الثاني، بل الفضيلة هي أن الأول أفاد تأكيد الإثبات تلك المساواة له لم يفدها الثاني، وعنى بتأكيد الإثبات أن المساواة أفادها التعبير عن المشبه بلفظ المشبه به؛ لإشعار ذلك التعبير بالاتحاد بخلاف التنصيص على المساواة كما في الحقيقة، فيخطر معه احتمال كونها من بعض الوجوه دون بعض، والاتحاد الذي أفاده التعبير يقتضي المساواة في الحقيقة المتضمنة للشجاعة، وفيها تأكيد الإثبات أيضا من جهة أن الانتقال إلى الشجاعة المفاد بطريق المجاز كإثبات الشيء بالدليل على ما قررناه آنفا، وهذا - أعني إفادة تأكيد الإثبات بالانتقال من الملزوم إلى اللازم - هو الجاري في الكناية والمجاز المرسل كما تقدم، وزاد الشيخ متصلا بما تقدم أن المعنى لا يتغير بنفسه باختلاف الطرق الدالة عليه، وإن كانت الدلالة في بعضها بواسطة الانتقال الذي هو التصرف الفعلي، وفي بعضها باللفظ كما في الحقيقة ففهم المصنف من جميع ما ذكر أن مراد الشيخ بقوله: إن واحدا من هذه الأمور لا يفيد زيادة في المعنى، أنه لا يدل على الزيادة في المعنى فليس السبب في الأبلغية دلالته على الزيادة في المعنى، وإنما السبب ما فيه من تأكيد الإثبات كما قررنا ذلك آنفا، فاعترض عليه بأن ذلك إنما يتجه في غير الاستعارة مثل المجاز المرسل والكناية؛ لأنهما لا يدلان