المطابقة
  القريب للمحبوب الأصفر هو الإنسان الموصوف بالصفرة المحبوبة، وازوراره بعده عن ساحة الاتصال، والمعنى البعيد هو الذهب الأصفر؛ لأنه محبوب وهو المراد به فكان تورية «اسود يومي الأبيض»، وبقوله «اسود» يتعلق المجرور بمذ أى: اسود يومي الأبيض مذ اغبر العيش إلخ واسوداد اليوم كناية عن ضيق الحال وكثرة الهموم؛ لأن اسوداد الزمان كالليل يناسب الهموم ووصفه بالبياض كناية عن سعة الحال والفرح؛ لأن بياض النهار يلابس ذلك، وأبيض فودي الأسود، فقوله: ابيض عطف على اسود، والفود هو شعر جانب الرأس مما يلي الأذن، وابيضاض الشعر كناية عن كثرة الحزن والهم، أو أريد به الحقيقة وأنه اتصف شعره بذلك بسبب الهم حتى رثى لي العدو الأزرق أي انتهى بي الحال من أجل ما حل من الهموم إلى أن رثى لي أي: رحمني العدو الأزرق، ووصف العدو بالزرقة كناية عن شدة العداوة؛ لأن أشهر الناس في العداوة وأشدهم فيها للمسلمين الروم، وأكثرهم زرق الأعين فاشتهر وصفهم بالعداوة مع زرقة أعينهم حتى صار كناية عن كل عدو شديد العداوة، ويحتمل أن يكون كناية عن شدة العداوة وصفائها من شوب خلافها؛ لأن الزرقة في الماء تدل على صفائه فكنى لزرقة عن مطلق الصفاء الصادق بصفاء العداوة الذي هو شدتها، «فيا حبذا الموت الأحمر» أي: حبذا فيا زائدة للتنبيه أي: أحبب بالموت الأحمر، ووصف الموت بالحمرة كناية عن شدتها؛ لأن الحمرة تدل على شدتها، فقد جمع الحريري ألوانا من الاغبرار والاخضرار والاصفرار والاسوداد والابيضاض والزرقة والحمرة، وقد تبين لك مما قررنا أن الألوان كلها في كلامه كناية إلا الاصفرار فإن فيه التورية، وبذلك تبين أن جمع الألوان لا يجب أن يكون على أنها كلها توريات أو كنايات، بل يجوز أن تجمع على أن بعضها تورية، وبعضها كناية، وقد توهم بعضهم وجوب ذلك وهو فاسد كما تقرر.
  (ويلحق به) أي: بالطباق السابق شيئان، أحدهما أن يجمع بين معنيين ليس أحدهما مقابلا للآخر، ولكن يتعلق ذلك الأحد منهما بمعنى يقابل المعنى الآخر، وتعلقه به إما لكونه بينه وبينه لزوم السببية، أو بينه وبينه لزوم آخر غير لزوم السببية وذلك (نحو) قوله تعالى في وصف المؤمنين مع النبي ﷺ (أشداء على الكفار