مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

المقابلة

صفحة 495 - الجزء 2

  متوافقان كذلك، وقد قابل الأول من الطرف الثاني وهو البكاء بالأول من الطرف الأول وهو الضحك، والثاني وهو الكثرة من ذلك الطرف الثاني يقابل الثاني من الأول وهو القلة.

  (و) دخل في ذلك أيضا مقابلة الثلاثة بالثلاثة (نحو قوله:

  ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا ... وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل

  فالحسن والدين والغنا وهو المعبر عنه بالدنيا متوافقة لعدم التنافي بينها، وقد قوبلت بثلاثة وهي القبح والكفر والإفلاس الأول للأول والثاني للثاني والثالث للثالث، وهي متوافقة أيضا لعدم التنافي بينها وإن كانت خلافية.

  (و) دخل في ذلك أيضا مقابلة الأربعة بالأربعة (نحو) قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى ٥ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ٦ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى}⁣(⁣١) فهذا طرف من المقابلة اجتمع فيه متوافقات خلافية أربعة، وهي الإعطاء والتقى والتصديق بالحسنى وهي كلمة التوحيد التي هي لا إله إلا الله، والتيسير لليسرى وهي الجنة، والطرف الآخر هو قوله تعالى {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى ٨ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى ٩ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى}⁣(⁣٢) فهذه أربعة أخرى تقابل الأولى على الترتيب البخل المقابل للإعطاء والاستغناء المقابل للتقوى والتكذيب المقابل للتصديق، والتيسير للعسرى المقابل للتيسير لليسرى، ومجموع مدلول التيسير للعسرى هو المقابل لا المجرور فقط، فلا يرد أن المجرور لا يستقل فلا تقع به المقابلة، وقد ظهرت المقابلة بين كل فرد وما يقابله إلا الاستغناء مع التقوى فإن التقوى إما أن تفسر برعاية أوامر الله تعالى ونواهيه والاعتناء بها خوفا منه تعالى أو محبة فيه، أو تفسر بنفس خوف الله أو محبته الموجب كل منهما لتلك الرعاية والاستغناء إن كان معناه عدم طلب المال لكثرته فلا يقابل التقوى بذلك المعنى، وإن كان معناه عدم طلب الدنيا للقناعة فكذلك وإن كان شيئا آخر فمعه خفاء، فأراد بيان معناه لتتضح مقابلته للتقوى فقال (والمراد باستغنى: أنه زهد فيما عند الله تعالى) من الثواب الأخروي فصار


(١) الليل: ٥، ٦، ٧.

(٢) الليل: ٨، ٩، ١٠.