مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

المشاكلة

صفحة 507 - الجزء 2

  الجاري مطلقا، وهو المشاكلة بلفظ المصاحب، وقد أطنبت شيئا ما في هذا الموطن، لقلة الكلام في المشاكلة على مثل هذه المباحث فيها والله الموفق بمنه وكرمه.

  ولما قدم أن المشاكلة هي ذكر الشيء بلفظ غيره لمصاحبته معه، ومن المعلوم أن اصطحاب المعنيين يستلزم اصطحاب اللفظيين، وقد يسمى اصطحاب اللفظيين المعبر بهما صحبة تحقيق، واصطحاب المقدر والمذكور اصطحاب تقدير فهما قسمان أراد أن يمثل لهما معا فأشار إلى مثال الأول بقوله (فالأول) أي القسم الأول من المشاكلة، وهو ما تكون فيه الصحبة التحقيقية (كقوله: قالوا اقترح شيئا) أي اطلب ما شئت من المطبوخ، وتحكم فيه علينا أخذا من قولهم اقترحت الشيء عليه إذا سألته إياه من غير روية، أي: تأمل في بغية السؤال وعدمها، بل طلبته على سبيل التكليف والتحكم على المسئول وقيل إنه مأخوذ من اقترح الشيء إذا ابتدعه وأوجده أولا ولا يخفى أن هذا المعنى غير مناسب هنا؛ لأن قوله (نجد لك طبخه) أي نحسن لك طبخ ذلك المسئول مناف له إذ على تقديره كذلك يصير المعنى: ابتدع شيئا وأوجده نجد لك طبخه ولا معنى لإيجاد المطبوخ ليطبخ، وإن حمل على معنى أوجد أصله ليطبخ نافاه السياق أيضا؛ لأن المراد اطلب ما تريد من الأطعمة المطبوخة تعطاه، وليس المراد ائتنا بطعام نطبخه لك على أن ابتداع أصل الطعام وإنشاؤه لا معنى له هنا.

  (ونحوه) أي: نحو هذا المثال في كونه مشاكلة تحقيقا قوله تعالى حكاية عن عيسى #: {تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ}⁣(⁣١) أي: ما في ذاتك وإطلاق النفس على ذات القديم تعالى لا يصح إلا للمشاكلة لوقوعه في صحبة من له النفس حقيقة مع ذكرها لفظا، وهذا بناء على أن النفس مخصوصة بالحيوان أو بالحادث الحي مطلقا، ويدل عليه قوله تعالى {كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ}⁣(⁣٢) وقيل إن النفس في الآية عام مخصوص بمن يقبل الموت من الحوادث، وإلا فالنفس تطلق على ذاته


(١) المائدة: ١١٦.

(٢) آل عمران: ١٨٥.