مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

الجمع مع التفريق والتقسيم

صفحة 531 - الجزء 2

  {خالِدِينَ فِيها} أي باقين في الجنة إلى غير نهاية، والحال في المحلين مقدرة أي مقدرين الخلود أو مقدرا لهم الخلود؛ لأن الخلود لا يجامع دخول إحدى الدارين وإنما بجامعه تقديره.

  {ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ} أي: مدة دوام السموات والأرض وفيه ما تقدم من كونها كالأرض أخروية أو دنيوية.

  {إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ} أي: إلا وقت مشيئة ربك، ويتجه فيه ما تقدم في نظيره.

  {عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} أي أعطوا ذلك عطاء غير منقطع فهذا المثال فيه جمع الأنفس في الحكم بعدم الكلام إلا بإذن الله تعالى؛ لأن نفسا نكرة في سياق النفي فتعم كما ذكرنا آنفا، وفيه تفريق ذلك المجموع بأن جعل منه الشقي والسعيد وفيه تقسيم هذا التعدد، بأن أضيف لفريق السعادة ما له من الخلود في الجنة، وأضيف لفريق الشقاوة ما له من الخلود في النار، فإن قيل الشقاوة قد ذكرت أنها حكم بالنار، والسعادة ذكرت أنها حكم بالجنة، وهذا هو المستفاد من التقسيم هنا، وقد تقدم أن التقسيم هو: أن يضاف لكل من المتعدد ما له مما لم يذكر أولا، كما تقدم في قوله:

  هذا على الخسف مربوط برمته ... وذا يشج إلخ⁣(⁣١)

  قلنا ما ذكر في التقسيم يكفي أن يكون غير ما ذكر، ولو بالتفصيل لما أجمل أولا، وهو هنا كذلك، فإن كونهم في الجنة أو النار مع ذكر الخلود إلا ما شاء الله تفصيل لما حكم به وهكذا قوله: هذا مربوط وذا يشج تفصيل لما تضمنه الإجمال.

  فقد تبين أن المثال مشتمل على الجمع والتفريق والتقسيم؛ ولذلك يسمى نوع هذا المثال بما يدل على المجموع، أما اشتماله على الجمع فظاهر، وكذا اشتماله على التقسيم السابق فظاهر؛ لأنه قسم المتعدد الذي هو قسم الشقاوة، وقسم السعادة المذكورين بالتفصيل أولا بأن أضاف لكل منهما ما له. وأما اشتماله على التفريق السابق ففيه بحث؛ لأنه كما تقدم إنما يتصور بين شيئين جمع بينهما، ثم فرق بين جهتي إدخالهما كما في قوله:


(١) البيت للمتلمس، وهو جرير بن عبد المسيح، انظر شرح المرشدى على عقود الجمان (٢/ ٩٣).