مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

تأكيد المدح بما يشبه الذم

صفحة 580 - الجزء 2

  بما ذكر أن الضربين اشتركا في الانقطاع لكن بين إنقطاعيهما مخالفة وهو أن الانقطاع في الأول يقدر متصلا لوجود العموم فيه، فيضعف التكلف في تقديره.

  والانقطاع في الثاني لا يقدر فيه الاتصال؛ لكثرة التمحل بكثرة التقدير فيه، وإلى هذا أشار بقوله: (لكنه) أي الاستثناء المنقطع في هذا الضرب (لم يقدر متصلا) كما قدر في الضرب الأول لما ذكر من سهولة تقدير الاتصال في الأول دون الثاني؛ لأن الثاني ليس فيه صفة ذم منفية على وجه العموم، فيمكن تقدير دخول المستثنى فيها، وهو صفة مدح بتقدير كونها صفة ذم، وإنما فيه إثبات صفة لا على وجه العموم فتقدير دخول ما بعد الآلة فيها يحتاج إلى تأويل الكلام، بأن يكون المراد في المثال كما أشرنا إليه: أنا أفصح العرب فلا شيء يخل بفصاحتي، أو لا عيب في فصاحتي إلا أني من قريش، إن كان عيبا فيعود حينئذ إلى الاتصال.

  ولا يخفى ما فيه من التعسف المحتاج إلى تقدير جملة أخرى لم ينطق بها، وإذ لم يكن في هذا الضرب الثاني تقدير الاتصال (فلا يفيد التأكيد إلا من الوجه الثاني) فقط.

  وهو أن ذكر أداة الاستثناء قبل ذكر المستثنى يوهم الاتصال، فإذا ذكر بعد الأداة صفة مدح أخرى، جاء التأكيد؛ لأن كون الأصل في الاستثناء الاتصال يقتضي أنه هو المطلوب أولا. فالعدول عنه إلى خلافه يفهم عدم إمكانه، ويشعر بأنه طلب فلم يوجد ولا شك أن طلب استثناء ذم حتى لا يوجد فيستثنى المدح أوكد من مجرد إنشائه ابتداء، ففيه إثبات مدح على مدح، وكون المزيد على وجه أبلغ كما تقدم وفي قولنا في تفسير الوجه الثاني تبعا للمصنف أن ذكر الأداة يوهم إلى آخر ما تقدم من البحث، وهو أن المحتاج إليه في بيان التأكيد هو كون الأصل في الاستثناء الاتصال؛ ليفهم أنه ما عدل عنه حتى لم يمكن. وأما ذكر الإيهام فلا يفيد في هذا المعنى. نعم ربما كانت في الإشارة إلى وجه تسميته مشبها للذم؛ لأن إيهام استثناء ما يخالف ما قبله يقتضي أنه بآلة ذم في أصلها، وأما إفادة هذا الضرب التأكيد بالوجه الأول، وهو أنه كدعوى الشيء ببينة فلا يصح لأنه مبني على التعليق بالمحال. والتعليق بالمحال مبني على تقدير الاستثناء متصلا.

  فأما إذا قلنا: لا عيب فيه إلا الكرم إن كان عيبا، أفاد أن العيب منتف عنه في كل ما