لزوم ما لا يلزم
  التواطؤ في الحرف الواحد وقد جاء قبل تلك الراء فيهما هاء فكان التزام الهاء في الفاصلتين من التزام ما لا يلزم فيهما؛ لتحقق السجع بدون تلك الهاء، كما لو ختمت فاصلتين بتقهر ويسخر فإنه سجع ولو اختلف الحرف الذي قبل الآخر (و) أما التزام ما لا يلزم في النظم فك (قوله: سأشكر عمرا)(١) يقال شكرته أي: شكرت نعمته ويقال شكرت له نعمة فهو يتعدى إلى النعمة بنفسه وإلى صاحبها باللام، وقد يتعدى إلى صاحبها بتقديرها فكأنه هنا يقول سأشكر نعم عمرو (إن تراخت منيتي) أي: إذا تأخرت مدتي وطال عمري شكرت عمرا أي: أديت حق شكر نعمه بالمبالغة في إظهارها، وفي الثناء عليه بها وخدمته عليها فالمراد بالشكر الموعود به أكمله بالمبالغة، وإلا فقد شكرها بذكرها وحبه عليها وثنائه عليه بها (أيادي) جمع أيد والأيدي جمع يد وهي النعمة فهو جمع الجمع وهو بدل اشتمال من عمرو بتقدير الرابط أي: سأشكر عمرا أشكر أيادي له (لم تمنن) أي: لا يمنن عمرو بتلك الأيادي ولا يذكرها ممتنا بها (وإن هي جلت) أي: وإن عظمت ما عظمت ويحتمل أن يريد لم تقطع بل تسترسل منه من المن الذي هو القطع فالمعنى أشكر أيادي عمرو التي لم تمنن أي: لم تقطع، أو لم انخلط بمن أي: بذكره لها على وجه المنة وإن عظمت ما عظمت فإنه لا يقطعها ولا يمن بها (فتى) أي: هو فتى من صفته أنه (غير محجوب الغنى عن صديقه) أي يصل غناه كل صديق له، ولا يستقل به عن الأصدقاء (ولا مظهر الشكوى) أي: وهو غير مظهر الشكوى (إذا النعل زلت) أي: يتجمل بالصبر والتحمل إذا وقعت شدة، أو نزلت محنة وشر، يقال: زلت النعل إذا نزلت مصيبة فزللت النعل كناية عن الوقوع في الشدة، وصفه بنهاية كمال المروءة وحسن الطبع، وأنه لا يتضعضع للشدائد ولا يشكوها إلا لله تعالى وينزه أخلاءه عن مشاركته في الشدة ويؤثرهم حيث ترك التشكي لهم بخلوهم عن معاناة مضايقه، وأنه إذا كان في الغنى لم يستأثر به على الأحباء بل يعمهم به ويكرمهم بالتمتع في لذائذه على طريقة قوله: إذا افتقر الحر لم ير فقره
(١) الأبيات لعبد الله بن الزبير فى ديوانه ص (١٤٢)، وهما فى ديوان إبراهيم بن العباس الصولى فى الطرائف الأدبية (١٣٠)، وفي التبيان للطيبى (١/ ١٤٧)، وشرح عقود الجمان (١/ ٥٢) ونسبهم إلى أبى الأسود الدؤلى.