الاقتباس
  لئن أخطأت في مدحي ... ما أخطأت في منعي
  لقد أنزلت حاجاتي ... بواد غير ذي زرع)(١)
  فقوله: بواد غير ذي زرع مقتبس من قوله تعالى {رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ}(٢) ومعناه في القرآن على ظاهره، وهو واد لا ماء فيه ولا نبات وهو شعب مكة المشرفة، وقد نقله الشاعر وهو ابن الرومي إلى جناب لا خير فيه ولا نفع على وجه التجوز، ومعنى البيتين: أني إن غلطت في مدحك بأن مدحتك مع أنك لست أهلا فقد اتفق مع غلطي أنك ما غلطت في منعي مما طلبت منك؛ لأن المنع والبخل وصفك، وما جاء من الفعل على وفق وصف صاحبه لا يعد صاحب ذلك الفعل غالطا فيه، إنك بمنزلة واد لا زرع فيه، فأنت جناب لا خير فيه، فالمنع منك ليس ببدع ولا خطأ، وإنما الخطأ من الطالب في مثلك، وفي هذا الكلام من الذم بعد المدح مالا يخفى، ولا يقال وكذا قوله وجهك الجنة حفت بالمكاره؛ لأنه نقل إلى جنة هي الوجه وإلى حفوف بالمكاره التي هي مشاق الرقيب، والأصل الجنة الحقيقية، والمكاره التي هي التكاليف، فكيف يعد مما لم ينقل؛ لأنا نقول: لا تجوز هنا فإن الوجه شبه بالجنة والمكاره أريد بها مصدوقها؛ لأنه أريد بها مشاق الرقيب وهو أحد مصادقها، وقد تقدم أن الاتحاد في المفهوم يكفى ولا عبرة باختلاف المصدوق بعد اتحاد المفهوم فلا تجوز، ولما كان ظاهر العبارة أن الاقتباس هو الإتيان بنفس لفظ القرآن أو الحديث بلا تغيير نبه على أنه يسمى الاقتباس، وإن وقع فيه تغير إذا كان يسيرا، فقال (ولا بأس بتغيير يسير) في اللفظ المقتبس ويسمى اللفظ معه مقتبسا، وأما إذا غير كثيرا حتى ظهر أنه شيء آخر لم يسم اقتباسا، كما لو قيل في شاهت الوجوه: قبحت الوجوه، أو تغيرت الوجوه أو نحو ذلك، والتغيير المغتفر عند يسارته، يكون إذا قصد به الاستقامة (للوزن أو) الاستقامة (لغيره) أي: لغير الوزن؛ كاستواء القرائن في النثر، ثم مثل للتغيير
(١) البيت لابن الرومى، فى الإشارات ص (٣١٦)، والإيضاح ص (٣٥٢)، وشرح عقود الجمان (٢/ ١٨٤).
(٢) إبراهيم: ٣٧.