التضمين
  وسداد الثغر هو بكسر السين بمعنى سده، والثغر هو الموضع الذي يخشى منه العدو من فروج البلدان، واللام في ليوم كريهة توقيتية، وأي استفهام أريد به التعظيم كما تقول عندي غلام وأي غلام أي: هو أكمل الغلمان، واللام يحتمل أن تتعلق بأضاعوني فيكون المعنى أنهم أضاعوني وقت الكريهة ووقت حاجتهم لسد الثغر، فقد أضاعوني أحوج ما كانوا إلى مع أني أكمل المحتاج إليهم، ويحتمل أن يتعلق بما يفيده أي: من الكمال أي: أضاعوني وأنا أكمل الفتيان في وقت الكريهة وفي وقت الحاجة لسد الثغر؛ إذ لا يوجد من الفتيان من هو مثلى في تلك الشدائد، وعلى هذا يكون زمان الإضاعة غير زمان الكريهة، وسد الثغر، وعلى كل حال ففي الكلام تنديم المضيعين وتخطئتهم على إضاعة مثل هذا القائل، وهذا البيت قيل: إنه للعرجي وهو عبد الله بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، وسمى العرجى نسبة للعرج بسكون الراء موضع بطريق مكة، وقيل: لأمية بن أبى الصلت.
  وأما مثال تضمين المصراع بدون التنبيه لاشتهاره فكقوله:
  قد قلت لما أطلعت وجناته ... حول الشقيق الغض روضة آس
  أعذاره الساري العجول ترفقن ... ما في وقوفك ساعة من باس(١)
  فقوله: ما في وقوفك ساعة من باس مصراع معلوم لأبى تمام، والوجنات جمع وجنة وهى ما ارتفع من الخدين، والشقيق ورد أحمر، والغض هو الطري اللين، والروضة بقعة هي منبت الأشجار الثمارية، والآس هو الريحان، ويقال له: روض أخضر، والهمزة في أعذاره للنداء، والعذار هو ما يلقى من الشعر على الخد مما يليه من الرأس، والساري في الأصل الماشي بالليل، والعجول وصف له، والمعنى: أني أقول له حين رأيته وقد أطلعت وجناته حول حمرتها التي هي كالورد شعرا من جهة خده كأنه في التلون والطيب شجر الآس في روضته يا عذاره الساري العجول، وإنما نادى عذاره؛ لأنه هو المشغوف به، وكثيرا ما يشبب به فاستغنى بندائه عن نداء صاحبه؛ لأنه هو
(١) البيتان لأبى خاكان أبى العباس أحمد بن إبراهيم، فى الإيضاح ص (٣٥٥)، وشرح عقود الجمان (٢/ ١٨٨).