مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

التضمين

صفحة 692 - الجزء 2

  من الإذكار بقطع الهمزة، وفاعله ضمير يعود على الوهم أي: ويذكرني الوهم (من قدها ومدامعي) مجرور ومعطوف عليه، ومن فيها للابتداء يعنى أن منشأ إذكار الوهم إياي هو إحضار قدها وإحضار مدامعي أو حضورهما (مجر) مفعول ثان ليذكرني (عوالينا) أي: رءوس رماحنا (ومجرى السوابق) معطوف على مجر يعنى أنه إذا حضر قدها وحضر تتابع دموعي أذكرني الوهم بذلك الموضع الذي تجر فيه العوالي، أو جرى العوالي والموضع الذي تجرى فيه سوابق الخيل أو جرى الخيل؛ لأن قدها يشبه العوالي والرماح في التمايل والطول؛ فتذكر به، ودموعي تشبه في تتابعها وسرعتها سبق الخيل فيذكر بها، فقد تضمن هذا البيت بما زيد على المضمن، وهو شطر بيت المتنبي الذي هو مطلع قصيدته أعنى قوله:

  تذكرت ما بين العذيب وبارق ... مجر عوالينا ومجرى السوابق

  التشبيه، ولا يخفى أن الشطر الأول لما كانت نكتته التورية فقد نقل عن معناه الأصلي نظير ما تقدم في الاقتباس، وأنه قد ينقل لغير معناه كما في قوله:

  لقد أنزلت حاجاتي ... بواد غير ذي زرع

  بخلاف الشطر الثاني، ومعنى بيت المتنبي أنه تذكر ما بين الموضعين، أعنى: العذيب وبارق، وهو أنهم كانوا نزولا هنالك ويجرون الخيل السوابق في ذلك المكان، ويجرون العوالي على الأرض عند مطاردة الفرسان ومقابلة الأقران، فنقله الشاعر مفرقا كما رأيت لنكتة فجاء أحسن من غيره، وقد تقدم إعراب ما يحتاج إليه من بيتي المضمن، وأما إعراب بيت المتنبي ففيه وجهان: أحدهما: أن يكون قوله: «ما بين» مفعول «تذكرت» على أن «ما» موصولة أي: تذكرت الذي بين العذيب وبارق، وأبدل منه «مجر عوالينا» على أنه اسم مكان، أو مصدر، والآخر أن يكون قوله: «مجر عوالينا» منون، «تذكرت» و «ما بين» ظرف بناء على أن ما زائدة إما لتذكرت ويكون التقدير تذكرت، مجر العوالي، وذلك التذكر وقع بين العذيب وبارق وإما للمجر على أنه مصدر وقدم عليه معموله الذي هو الظرف؛ لأنه يتوسع في تقديم الظرف على عامله،