التخلص
  الإخبار بتشكيهم بطول السير؛ ليخرج منه إلى المقصود، والمعنى الأول كاف فيه، وعلى تقدير تسليمه فالعطف بدون إعادة المجرور لا يرتكب مع إمكان غيره، وقد أمكن هنا، والخطا جمع خطوة وهو ما بين القدمين في السير والمهرية الإبل المنسوبة إلى مهرة بن حيذان أبي قبيلة تنسب إليهم إبلهم لخصوص جودتها، ثم صار لقبا على الإبل الجياد مطلقا.
  (القود) وصف المهرية وهى الإبل الطويلة الظهور والأعناق جمع أقود، وقد علم مما قررنا أن المعنى: أنهم قالوا ما يذكر بعد، والحال أن مزاولة السرى أثر فيهم ومعاناة مسايرة المطايا بالخطا أو سيرها بهم نقص منهم، ومقولهم هو قوله (أمطلع الشمس تبغي أن تؤم بنا*) أي: لما طال السير قالوا أتبغي أي: أتطلب أن تقصد بنا مطلع الشمس أي: موضع طلوعها، فإن قلت: ما معنى طلبه قصد مطلع الشمس، وهو إن طلب إنما يطلب مطلع الشمس بعينه، قلت: المراد بالقصد التوجه والذهاب إلى جهة مطلع الشمس، وكثيرا ما يطلق عليه لتعلقه به، فكأنهم قالوا: أتطلب بهذا المشي أن تتوجه إلى جهة مطلع الشمس، ثم المراد بالجهة نهايتها فافهم.
  (فقلت) لهم (كلا) أي: ارتدعوا عما تقولون وانزجروا، فإني لا أطلب بكم مطلع الشمس (ولكن) أطلب بكم (مطلع الجود) فقد خرج بالمناسبة الجوابية إلى الممدوح الذي سماه مطلع الجود فكان فيه حسن التخلص، ومن حسن التخلص ما وقع في بيت واحد كقول أبي الطيب:
  نودعهم والبين فينا كأنه ... قنا ابن أبي الهيجاء في قلب فيلق(١)
  الفيلق الجيش.
  ومن حسن التخلص قول أبي الطيب يمدح المغيث العجلي:
  مرت بنا بين تربيها فقلت لها ... من أين جانس هذا الشادن العربا(٢)
  فاستضحكت ثم قالت كالمغيث يرى ... ليث الشري وهو من عجل إذا انتسبا
(١) البيت للمتنبى فى شرح المرشدى على عقود الجمان (٢/ ١٩٧)، ولكن فيه (فودعهم) مكان (نودعهم).
(٢) البيت للمتنبى فى ديوانه ص (١٤١)، ط الكتب العلمية.