التخلص
  أي: قالت أنا بالنسبة إلى قومي في كوني وحشية الصورة، والعينين إنسية النسب كالمغيث ليث المعنى والصورة، عجلي النسب، وهذا التخلص نهاية الحسن.
  (وقد ينتقل منه) أي: مما شبب به الكلام (إلى ما لا يلائمه) فيستأنف حديث المقصود من غير ربط واتصال (ويسمى) ذلك الانتقال الكائن بلا ربط ومناسبة (الاقتضاب) وهو في اللغة الاقتطاع والارتجال أي: الإتيان بالشيء استئنافا بغتة، أطلق على الإتيان بالكلام بعد الآخر بلا ربط ومناسبة؛ لانقطاع الأول عن الثاني (وهو) أي: الاقتضاب (مذهب العرب الأولى) أعنى الجاهلية (و) مذهب (من يليهم من المخضرمين) والمخضرم بالضاد والخاء المعجمتين وفتح الراء هو الذي أدرك الجاهلية والإسلام معا مثل لبيد، وقال في الأساس ومثله في القاموس يقال: ناقة مخضرمة بفتح الراء إذا جدع أي: قطع نصف أذنها، ومنه المخضرم وهو الذي أدرك الجاهلية والإسلام وسمى بذلك؛ لأنه لما فات جزء من عمره في الجاهلية فكأنه قطع نصفه أي: ما هو كالنصف من عمره؛ لأن ما صادف به الجاهلية وكان حاصلا منه فيها ملغى لا عبرة به كالمقطوع ثم مثل للاقتضاب فقال (كقوله) أي: كقول أبي تمام:
  (لو رأى الله أن في الشيب خيرا ... جاورته الأبرار في الخلد شيبا)(١)
  الشيب بكسر الشين جمع أشيب وهو حال من الأبرار:
  (كل يوم تبدى صروف الليالي ... خلقا من أبي سعيد غريبا)
  فقد انتقل من ذم الشيب في البيت الأول إلى مدح أبي سعيد بأنه تبدى أي: تظهر منه الليالي خلقا أي: طبائع غريبة لا يوجد لها نظير من أمثاله فيها، ولا ربط بينهما ولا مناسبة، فهذا الانتقال من الاقتضاب.
  وأما ما يقال من أنه لا يتعين أن يكون اقتضابا؛ لاحتمال أن يكون أبو سعيد أشيب فيكون ذكره مناسبا لذم الشيب قبله فلا وجه له، لأن المتبادر مدح أبي سعيد؛ ولأن اللفظ لا يشعر بالمناسبة؛ إذ ليس في البيت الثاني ذكر الشيب، نعم لو قال مثلا:
(١) البيت لأبى تمام فى ديوانه ص (٣٣)، وشرح عقود الجمان (٢/ ١٩٧).