(الفن الأول) علم المعاني
  من الكلام معنى خارج فى أحد الأزمنة الثلاثة، بأن لا يقصد بالكلام حصول نسبة خارجية بل قصد به كون نسبته توجد باللفظ (فإنشاء) أى: فالكلام الموصوف بما ذكر إنشاء كقولك: «بعت» عند قصد إنشاء البيع «وقم» مثلا فإن نسبة البيع إلى الفاعل إنما وجدت باللفظ، وكذا نسبة القيام للمخاطب على وجه الأمر إنما وجدت بنفس التلفظ، من غير قصد إلى أن إحدى النسبتين حاصلة الآن أو فى المضى أو الاستقبال، وفسرنا النسبة بالتعلق الخ ليعم الإخبار، سواء كان إيجابا أو سلبا شرطيا كان أو حمليا، وليعم الإنشاء مطلقا وأما تفسيرها بإيقاع المحكوم به على المحكوم عليه أو سلبه عنه، فلا يصح؛ لأن ذلك التفسير يوجب تخصيصها بالخبر الحملى دون الإنشاء والخبر الشرطى، والمقصود أعم من ذلك ومما يزيدك تحقيقا فى انقسام الكلام - إلى الخبر الذى يوصف بالصدق والكذب، وإلى الإنشاء - أن الكلام الذى يحسن السكوت عليه لا محالة يتضمن نسبة المسند إلى المسند إليه، فإن كان القصد منه الدلالة على أن تلك النسبة المفهومة من الكلام حصلت فى الواقع ووقعت فى الخارج بين معنى المسند والمسند إليه، فذلك الكلام خبر، وإن كان القصد الدلالة على أن اللفظ وجدت به تلك النسبة فالكلام إنشاء.
  فنسبة الخبر المفهومة من اللفظ يدل اللفظ على أنها كذلك فيما بين معنى المسند إليه والمسند خارجا، لكن لما كانت الدلالة وضعية أمكن تخلفها بأن لا تكون كذلك فيما بين المعنيين فى نفس الأمر، فيكون الكلام كذبا، وأن تكون كذلك فيكون الكلام صدقا، فإذا قلنا: زيد قائم فالمفهوم منه ثبوت القيام لزيد فى الخارج فإذا أردت تحقق المطابقة أو عدمها فاقطع النظر عما يدل عليه اللفظ. ويفهم بالذهن، وانظر نسبة القيام لزيد خارجا، فلا محالة تجد بينهما إما نسبة الثبوت بأن يكون هذا ذاك، أعنى بأن يكون زيد قائما، وإما نسبة السلب بأن لا يكون هذا ذاك فإن كان الأول حصل الطباق بين المفهوم وما وقع فى نفس الأمر فيثبت الصدق، وإن كان الثانى لم يحصل الطباق فيثبت الكذب، وإنما تأتى هذه المطابقة عند قطع النظر عن المفهوم فينسب الواقع عليه، لأنهما حينئذ شيئان فيحصل الطباق بينهما، وأما إن نظرت إلى المفهوم