(الفن الأول) علم المعاني
  وهو حصول النسبة فى الخارج فلا تعدد للنسبة فلا يطابق، إذ لا يطابق الشيء نفسه؛ لأن ما فى الخارج باعتبار دلالة اللفظ عليه هو هو، وأما احتمال الكذب فهو عقلى لا مفهوم للفظ، ثم قد سمعت فى تحقيق المطابقة أنها تكون بتحقيق وقوع تلك النسبة المفهومة للفظ خارجا، فربما توهم أن ذلك ينافى القول المشهور وهو: أن النسبة بين الموضوع والمحمول من الاعتبارات التى لا وجود لها خارجا فيجب أن تعلم أن ذلك لا ينافيه؛ لأن المعنى بالتحقق خارجا حصول تلك النسبة فى الخارج عن العقل، واتصاف الموضوع بها، لا كونها من الأمور الوجودية التى تحقق وجودها خارجا فى العيان.
  وفرق بين قولنا: هذا الإمكان أو هذه النسبة حاصلة فى الخارج عن الذهن بمعنى: الاتصاف بذلك فى نفس الأمر، فإنه صحيح لصحة اتصاف الوجوديات بالاعتبارات كالإمكان وعدم الوجوب وبين قولنا: هذا أمر محقق وجوده فى الخارج والعيان كبياض الجسم مثلا، فالمراد بالوقوع فى الخارج: الاتصاف بالشيء فيه، وهذا المعنى صحيح على كلا القولين، أعنى: القول بأن النسبة وجودية خارجية وهو ضعيف، أو اعتبارية فيه وهو الحق، ألا ترى أنك إذا قلت: زيد قائم وصدق هذا القول لزم أن زيدا اتصف بالقيام، وحصل له فى الواقع على كل حال ولا يسع أحدا إنكاره بعد ثبوت الصدق، وإلا كان كذبا سواء قلنا: إن النسبة وجودية أو اعتبارية، وهذا المعنى الذى هو وقوع الاتصاف الجارى على كل قول، هو الذى نعنى بوجود النسبة أى: حصولها خارجا، فيجرى على كل قول لا كونها من الأمور الوجودية خارجا، حتى يختص بالقول بأنها من الأمور المحققة الوجود خارجا، كالبياض مثلا تأمله؛ فإنى قد أطلت فيه مع ضرب من التكرار لاستصعاب الناس فهمه من بعض الشروح.
  ثم إنك قد سمعت أيضا أن الإنشاء هو الكلام الموجد لنسبته فيجب أن يعلم أن نسبة المسند إلى المسند إليه لا يوجدها الكلام إذ لا يوجب الكلام اتصاف أحد بصفة حقيقية كالقيام أو القعود فى «قم» أو اقعد مثلا أو البيع الذى هو الإبدال المخصوص فى «بعت» مثلا، وإنما الذى يوجبه الكلام ويقتضيه أن تلك النسبة دل على تكيفها بكيفية عائدة فى حصولها إلى اللفظ فيوجب «قم» «واقعد» مثلا نسبة القيام والقعود للمخاطب