مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

الحقيقة والمجاز العقليان

صفحة 164 - الجزء 1

  الريب يتضمن تأكيد نفى الريب وأيضا الخطاب للنبى وأصحابه، ولا إنكار لهم، اللهم إلا أن يراعى حال السامعين من الكفرة ولهذا كله كان الأحسن جعله تنظيرا لا تمثيلا (وهكذا) أى: مثل اعتبارات الإثبات (اعتبارات النفى) فيقال فى خالى الذهن فى النفى: ما زيد قائم بلا تأكيد وهو الابتدائى، وفى المتردد الطالب: ما زيد بقائم بالتأكيد المستحسن، وهو الطلبى وفى المنكر: والله ما زيد بقائم بالتأكيد الواجب وهو الإنكاري، وقد ينزل غير المنكر كالمنكر أيضا فيؤكد معه النفى، فيقال فيمن ظهرت عليه أمارات إنكار عدم خلو البلد من أعدائه بنى فلان مثلا لمجيئه بهيئة الآمن: والله ما خلا البلد من بنى فلان، والمنكر كغيره إذا كان معه ما إن تأمله ارتدع فيلقى إليه الكلام خلوا من التأكيد، كقولك لمنكر كون دين المجوسية ليس بحق: ما دين المجوسية حقا، ولمنكر أن لا حق فى أحكام اليهودية أو النصرانية أو الاعتزال: ما فى أحكام اليهودية أو النصرانية أو الاعتزال حق.

الحقيقة والمجاز العقليان

  ثم أشار إلى تفصيل فى الإسناد، وأن منه الحقيقى والمجازى فقال: (ثم الإسناد) سواء كان إنشائيا أو خبريّا ولم يقل: ثم منه حقيقة إلخ؛ لئلا يتوهم اختصاص هذا الكلام بالإسناد الخبرى (منه حقيقة عقلية) ولم يقل: ثم الكلام منه حقيقة عقلية؛ لأن من جعل الكلام هو الموصوف بكونه حقيقة عقلية إنما جعله كذلك باعتبار اشتماله على ما تسلط عليه التصرف العقلى منه وهو الإسناد؛ لأن من أدرك الأوضاع الإفرادية أمكنه بالعقل نسبة أحد مدلولى اللفظ لمدلول الآخر من غير توقف على أمر موضوع لذلك، فكان اتصاف الكلام بالحقيقة العقلية والمجازية العقلية بالتبع للأمر العقلى وهو الإسناد، واتصاف الإسناد بهما هو بالأصالة، فجعله معروضا لهما أولى لكون ذلك بالأصالة من جعل الكلام معروضا لهما؛ لأن ذلك بالتبع.

  ولم يأت بصيغة الحصر بأن يقول: إما حقيقة وإما مجاز؛ لأن الإسناد لا ينحصر فيهما عند المصنف؛ لأن نسبة المبتدأ إلى الخبر عنده ليس بحقيقة ولا مجاز وهو جازم بذلك لا سيما إن كان الخبر جامدا كقولنا: الحيوان جنس والإنسان نوع.