مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

إنما هي إقبال وإدبار

صفحة 171 - الجزء 1

  كقولهم فيما بنى للفاعل وأسند للزمان مجازا (نهاره صائم) فإن النهار مصوم فيه وإنما الصائم الإنسان فيه (و) كقولهم فيما بنى للفاعل وأسند للمكان مجازا (نهر جار) فإن الجارى هو الماء لا النهر الذى هو مكان جريه (و) قولهم فيما بنى للفاعل وأسند للسبب مجازا (بنى الأمير المدينة) فإن البانى حقيقة هو العملة، والأمير سبب آمر وكذا السبب المآلى يسند إليه أيضا مجازا كقوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ}⁣(⁣١)، فإن القيام فى الحقيقة لأهل الحساب، ولكن لأجله فكان الحساب علة غائية وسببا مآليا، وقد فهم من ذكره فى تفصيل الإسناد أن المسند يكون فعلا أو معناه مسندا لغير ما ينبغى له من فاعل أو مفعول أو ما يجرى مجرى المفعول فى كون الفعل يحق للفاعل وعدل به عن الفاعل إليه للملابسة، وإن الملابسات هى ما ذكر، وأن الإسناد ليس على طريق ما يكون إلى المبتدأ فما تقدم فى قوله:

إنما هى إقبال وإدبار⁣(⁣٢)

  ليس من المجاز كما أنه ليس من الحقيقة، وقد تقدم أن التعريف يدخله وإن الاتكال فى الإخراج عن التعريف على ما ذكر خارجا عنه لا ينبغى، ومما ينبغى إدخاله فى المفعول ليكون إسناد ما هو للفاعل له مجازا ما لا يتوصل إليه ذلك المسند إلا بحرف، فيكون المراد بالمفعول ما يتوصل إليه فعل الفاعل بنفسه أو بحرف فنحو قولهم، أسلوب حكيم مما أسند فيه إلى المفعول بواسطة الحرف، إذ الأصل أن الشخص حكيم فى أسلوبه، وكذا الضلال البعيد، إذ الأصل أن الكافر بعيد فى ضلاله، ثم إن ظاهر كلام المصنف أن المجاز العقلى لا يجرى فى الإسناد ولا يجرى فى تعلق الفعل بأن يعدل به عن التعلق بالمفعول به إلى جعله متعلقا بغيره ولا فى إضافة ما ينبغى للفاعل لغيره، وليس كذلك بل نصوا على أن قول القائل نومت الليل وأجريت النهر من المجاز؛ لأن فيه إيقاع الفعل كما يوقع على المفعول به على ما ليس بمفعول به فكان مجازا، ومنه قوله


(١) إبراهيم: ٤١.

(٢) عجز بيت للخنساء في ديوانها ص ٣٨٣، ولسان العرب ٧/ ٣٠٥ (رهط) و (قبل) والبيت يروى بكامله هكذا:

ترتع ما رتعت حتى إذا ادّكرت ... فإنما هى إقبال وإدبار.