إنما هي إقبال وإدبار
  تعالى {وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ}(١) لأن الطاعة فى الأصل إنما تقع على المسرفين؛ لأن المسرفين هو المفعول به، فكان إيقاعها على أمرهم مجازا وكذا قولنا أعجبنى إنبات الربيع؛ لأن إضافة الإنبات إلى الربيع إنما هى طريقة الإضافة إلى الفاعل وليس فاعلا حقيقة، ومنه قوله تعالى {شِقاقَ بَيْنِهِما}(٢) إذ ليس البين فاعلا وكذا قوله تعالى {مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ}(٣) ولكن إنما يتم هذا إن نوى بالإضافة الوجه المذكور، وأما إن أريد إنها مطلق الملابسة كانت حقيقية؛ لأن البين يلابس الشقاق بالظرفية، والليل يلابس المكر كذلك، والإضافة تكون بأدنى سبب، فكلام المصنف لا يشمل ما ذكر إلا بتأويل الإسناد بمطلق النسبة الشاملة للإيقاع والإضافة والإسناد، وهو بعيد، وإنما جعلت النسبة الإيقاعية والإضافية مجازية لأنه تجوز بها عما ينبغى لها من كون الوقوع على المفعول به الحقيقى فى الأولى وكون الإضافة إلى الفاعل الحقيقى فى الثانية إلى غيرهما، كما تجوز بالإسناد عما ينبغى له إلى غيره، فكانت النسبة فيما ذكر مجازية إلا أنها قد تكون مع ذلك كناية عن المجاز الإسنادى كقولهم: سل الهموم فإن إيقاع التسلية على الهموم مجاز؛ لأنها للشخص المهموم، ثم فيه الكناية عن كون الهموم حزينة إذ لا يسلى إلا الحزين، ففى هذه الإيقاعية كناية عن نسبة ما للفاعل للمفعول المتوصل إليه بواسطة الحرف، إذ يقال: حزن فلان فى همومه أو لهمومه كما تقدم، وبهذا يعلم أن هذا المجاز لا يجب أن يكون بالصراحة، بل يجوز حصوله بالكناية كهذا (وقولنا) أى: فى تعريف المجاز (بتأويل يخرج ما مر من) نحو (قول الجاهل) بالمؤثر القادر: أنبت الربيع البقل معتقدا أن الإنبات حقيقة للربيع، فإن هذا الإسناد يصدق عليه أنه لغير من هو له؛ لأن الذى هو له إنما هو الله تعالى وقد تقدم أن هذا الإسناد من الجاهل حقيقة فلو لا زيادة التأول الذى حاصله نصب القرينة على إرادة خلاف الظاهر لدخل فى تعريف المجاز مع أنه من الحقيقة، فيبطل به طرد التعريف وإنما دخل قول الجاهل؛ لأن المجاز لا بد فيه من
(١) الشعراء: ١٥١.
(٢) النساء: ٣٥.
(٣) سبأ: ٣٣.