مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

أقسام المجاز العقلي

صفحة 179 - الجزء 1

  الاستفهام الذى هو على وجه التهكم من الكافرين ليس المراد منه أن الصلاة هل هى الآمرة أم لا؟ بل المراد يأمرك ربك فى صلاتك؟ أى فى تلبسك بها وملازمتك لأمرها، فأوجبت لك الحظوة والاختصاص بأن يأمرك ربك أن نترك نحن أمرا عظيما هو عبادة الآباء، والقصد منهم - لعنة الله عليهم - الاستهزاء به وبالصلاة، وأنه لا يستحق بها شيئا من الخصوصية التى ادعى، وليس عنده مزية أخرى فى زعمهم الفاسد سواها، فهو من الإسناد الإنشائى الذى حقه أن يكون للفاعل، وحول إلى المتعلق بالحرف مجازا، ويحتمل أن يكون أوقات صلاتك تأمرك التى تلازم الصلاة فيها، ومن هذا القبيل قولك مثلا: ليجد جدك أى: لتعظم عظمتك بمعنى لتجد أنت أى: لتعظم عظمة وليصم نهارك أى: ولتصم أنت فى نهارك لزوما، وغير هذا مما ليس الغرض منه أمر المذكور لعدم صحة وقوع الفعل منه، بل الغرض ملابسه، وكذا نحو قولنا: لا ينم ليلك، ولا يصم نهارك، وغيره مما النهى فيه لغير ما وجه له، لعدم صحة صدور ترك المنهى عنه ممن وجه له النهى، وكذا فى التمنى كقولك: ليت النهر جار فإن المتمنى جريه هو الماء لا النهر وأسند المتمنى إلى ملابسه مجازا (ولا بد له) أى للمجاز العقلى (من قرينة) تدل على إرادة خلاف الظاهر، وهذا تحقيق لما استفيد من تعريف المجاز؛ لأن إرادة الخلاف مبنى على ما يظهر من حال المتكلم لا على ما فى الباطن كما تقدم، ومعلوم أن فهم خلاف الظاهر إنما يكون بالقرينة الصارفة عن الظاهر؛ لأن المتبادر عند انتفائها هى الحقيقة (لفظية) نعت لقرينة (كما مر) فى قول أبى النجم:

  أفناه قيل الله للشمس اطلعى

  (أو معنوية كاستحالة قيام المسند ب) المسند إليه (المذكور) مع المسند (عقلا) أى: استحالة من مجرد تعقل معنى النسبة لكون الاستحالة ضرورية لا يدعى خلافها محق ولا مبطل (كقولك: محبتك جاءت بى إليك) فإدراك استحالة قيام المجيء الذى هو المشي بالأرجل بالمحبة ضرورى لكل عاقل، هذا إن لم يكن المعنى: صيرتنى جائيا كما هو مذهب غير سيبويه فى نحو هذا التركيب وإلا فلا استحالة تأمله.