مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

أقسام المجاز العقلي

صفحة 180 - الجزء 1

  (أو عادة) أى: وكاستحالة قيام المسند بالمسند إليه المذكور معه من جهة العادة (نحو هزم الأمير الجند) فإن العادة حكمت باستحالة اتصاف الأمير بهزم الجند، وإن أمكن عقلا أن يهزم الجند وحده وقوله قيام المسند أى: اتصاف المسند إليه بالمسند يدخل فيه ما يصدر عن الفاعل بالاختيار: كضرب وقتل، وما لا يصدر كذلك: كعظم وشجع، لاشتراط كل ذلك فى اتصاف المسند إليه به (وصدوره عن الموحد) معطوف على مدخول الكاف وهو الاستحالة أى: ومن جملة القرائن المعنوية صدور الإسناد عن الموحد (فى مثل:

  أشاب الصغير) وأفنى الكبير ... كر الغداة ومر العشى

  فإن إسناد الإشابة والإفناء إلى كر الغداة ليس محالا بضرورة العقول حتى يكون من قسم المحال بالعقل، لأن المراد كما تقدم بالمحال العقلى المحال بضرورة العقول، وهذا الحكم وهو ثبوت الإشابة للزمان، ولو كان محالا بالاستدلال العقلى لكن ليس محالا بالضرورة التى هى المراد بالاستحالة العقلية فيما تقدم فلهذا احتجنا فى إبطال نسبة الأفعال لغير الله تعالى إلى الدليل فلا يكون هذا مستغنى عنه بما تقدم (ومعرفة حقيقته) ومعرفة ما يكون إسناد الفعل المجازى إليه حقيقة (إما ظاهرة) أى: إما أن تكون تلك المعرفة ظاهرة بظهور ما يكون بالإسناد إليه حقيقة، ولا يخفى ما فى نسبة الظهور إلى المعرفة من التسامح وذلك (كقوله تعالى: {فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ})⁣(⁣١) فإن إسناد الربح إلى التجارة مجاز والمسند إليه فى الحقيقة ظاهر وهم أهلها (أى: فما ربحوا فى تجارتهم) فالتجارة لما كانت سبب الربح أسند إليها مجازا من باب الإسناد إلى السبب والرابح فى الحقيقة أربابها (وإما خفية) لعدم ظهور الفاعل الحقيقى (كما فى قولك: سرتنى رؤيتك) فإن الرؤية لا تتصف حقيقة بجعل المتكلم موصوفا بالسرور، وإنما يتصف بذلك الجعل الله تعالى فالإسناد إليه هو الحقيقة (أى: سرنى الله عند رؤيتك و) كما فى (قوله) أيضا (يزيدك وجهه حسنا)⁣(⁣٢) أى: علما بحسن (إذا ما زدته نظرا) أى: إذا دققت النظر فى


(١) البقرة: ١٦.

(٢) البيت لأبي نواس في ديوانه ص ٢٣٥ ط. بيروت، والتلخيص ص ١٣، والمفتاح ٢١١، والتبيان للطيبي ١/ ٣٢٢ وبلا نسبة في نهاية الإيجاز ص ١٧٧، والإيضاح ص ٣٦.