مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

(أحوال المسند إليه)

صفحة 189 - الجزء 1

  الوصف؛ لأن الحاجة إلى المضاف إليه المعروض أشد من الحاجة إلى المضاف العارض، فلذلك عبر عن عدم الإتيان بهذا بالحذف. وعن عدم الإتيان بذلك بالترك؛ للإشارة إلى أن وجود هذا ألزم حتى كأن عدمه طارئ فكأنه أتى به ثم حذف، والآخر عدمه أصل على بابه فعدمه تركه من أصله (فللاحتراز عن العبث بناء على الظاهر) أى: من الأحوال الموجبة للحذف الاحتراز المذكور، والحذف يتوقف على أمرين:

  أحدهما: وجود ما يدل على المحذوف من قرينة.

  والآخر: وجود المرجح للحذف على الذكر.

  أما الأول: فهو مذكور فى غير هذا الفن كالنحو.

  وأما الثانى: فشرع فى تفصيله فمن جملته الاحتراز عن العبث، وذلك أن ما قامت عليه القرينة وظهر عند المخاطب فذكره يعد عبثا، والبليغ يعيبه فيحذفه لئلا ينسب إلى العبث لإتيانه بما يستغنى عن ذكره لظهوره، والعابث لا يلتفت إلى كلامه ويتلقى منه بالقبول، وقوله: بناء على الظاهر متعلق بالعبث، وإنما قال كذلك؛ لأن ذكره ليس عبثا فى الحقيقة؛ لأنه ركن للإسناد، وإنما كان عبثا بحسب الظاهر، والنظر إلى القرينة بالنسبة لكون الحذف دافعا للعبث الموجود بحسب الظاهر هو مرجع مقتضى البلاغة فى هذا الحذف، وكون الحذف جائزا للقرينة هو مرجع تأدية أصل المراد بما يجوز فليفهم.

  (أو تخييل العدول إلى أقوى الدليلين من العقل واللفظ) أى: ومن جملة الأمور التى مراعاتها توجب الحذف أن يخيل المتكلم السامع بذلك الحذف أنه عدل إلى أقوى الدليلين اللذين هما العقل واللفظ، وأقواهما هو العقل؛ لأن الإدراك به يحصل من ذلك اللفظ أو من غيره، فعند الحذف يتبادر أن الإدراك بالعقل خاصة، وعند الذكر يتبادر أن الإدراك باللفظ، وإنما قال: تخييل إشارة إلى أن كون الإدراك عند الحذف بالأقوى وهو العقل، وعند الذكر بالأضعف وهو اللفظ، إنما ذلك أمر وهمى خيالى بالتبادر الحذاقي وأما عند التحقيق فلا يقع إدراك معنى المسند إليه من التركيب للعقل إلا باللفظ مذكورا أو مقدرا كما لا يتأتى الإدراك من اللفظ بدون العقل، وههنا شيء وهو أن