إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر
  ذلك فنزل أحدهما منزلة الآخر، وقولنا على وجه يثبت حكم كل منهما للآخر، ليخرج به نحو فى الدار زيد، وضرب عمرا زيد بتقديم المفعول فإن كلا، ولو جعل فى محل الآخر باق على حكمه ويدخل فى هذا القلب العكس المستوى عند المناطقة، وذلك عند تحقق أن القصد إلى الإخبار بالأصل (و) هذا القلب (قبله السكاكى مطلقا)؛ لأن قلب المراد مما يحوج إلى التنبيه للأصل، وذلك يورث الكلام ملاحة، فإن قصد بها المطابقة كان من فن المعانى، والأصح أن يعد من فن آخر؛ لذلك يوجد هذا القلب فى التشبيه المعكوس، وهو من مبادئ علم البيان، وفى علم البديع، والسرقات الشعرية على ما يأتى - إن شاء الله تعالى - وظاهره قبوله عند السكاكى، ولو أوهم خلاف المراد كقوله:
  ثم انصرفت وقد أصبت ولم أصب ... جذع البصيرة قارح الإقدام(١)
  يقال فلان جذع إذا كان حديث السن، وقارح إذا كان قديما، فجذوع البصيرة هى كون القائل لم يجرب الأمور، وقروح الأقدام كونه مقدما إقدام أهل العقل، والسن القديم، والقائل يمكن اتصافه بالأمرين وهو عكس المراد؛ لأن المقصود وصفه ببصيرة القارح، وإقدام الجذع؛ لأن ذلك هو المدح، ولذلك يتمدح بإقدام الغرور أى: المجرب فالأصل على هذا أن يقال ثم انصرفت قارح البصيرة جذع الإقدام والحال أنى أصبت أى: جرحت، ولم أجرح فهو قلب يوهم خلاف المراد، ويحتمل أن يكون جذع البصيرة وقارح الإقدام متعلقين بقوله، ولم أصب بمعنى لم أوجد، فيكون الكلام على ظاهره أى: لم أوجد موصوفا بجذوع البصيرة، وقروح الإقدام، بل وجدت بالعكس (ورده) أى: القلب (غيره) أى: غير السكاكى (مطلقا) أى: سواء تضمن اعتبارا لطيفا زائدا على مجرد ملاحة القلب المحوج للتنبه، أو لم يتضمنها أوهم خلاف المراد أم لا؛ لأن الكلام إنما وضع؛ لإفادة ما يصح لا؛ لإفادة ما لا يصح (والحق) أى: المختار عندنا
(١) البيت لقطرى بن الفجاءة في شرح عقود الجمان ١/ ٩٩.