أحوال المسند
أحوال المسند
  أى: الأمور العارضة للمسند، التى بها يطابق الكلام مقتضى الحال، بدأ منها بالترك، الذى هو: عبارة عن عدم الإتيان به؛ لأن العدم فى الجملة سابق على أحوال الحادث، وقد تقدم مثل هذا، فقال:
حذف المسند وأغراض الحذف:
  (أما تركه فلما مر) فى بحث المسند إليه من أن حذفه يكون للاحتراز عن العبث، بناء على الظاهر، ولتخييل العدول إلى أقوى الدليلين ونحو ذلك، كضيق المقام، واتباع الاستعمال وغير ذلك، وقد تقدم وجه التعبير هنا بالترك وهنالك بالحذف وذلك (كقوله):
  ومن يك أمسى بالمدينة رحله ... (فإنى وقيار بها لغريب)(١)
  وأراد بالرحل: المأوى والمنزل، وقيار اسم فرس، أو جمل للشاعر، وهو ضابئ بن الحارث، وهذا الاسم مأخوذ من ضبأ بالأرض إذا اختفى فيها، وجواب الشرط محذوف، أقيم مقامه قوله: فإنى الخ، وتقديره ومن يك أمسى بالمدينة رحله فقد حسن حاله، فليطب نفسا ولينعم بالا، وأما أنا وقيار فلا نطب نفسا لغربتنا، وكربتنا بها، ولهذا المعنى كان الكلام، ولو كان خبرا لفظا توجعا وتحسرا معنى على تلك الغربة، ومقاساة شدائد تلك الكربة، وقدم قيار على قوله لغريب للإشارة إلى أن قيار ولو لم يكن من جنس العقلاء، بلغه هذا الكرب، واشتدت عليه هذه الغربة حتى صار مساويا للعقلاء فى التشكى منها، ومقاساة شدائدها بخلاف ما لو أخره، فلا يدل الكلام على التساوى؛ لأن فى التقديم أثرا فى الأدلية، وهذا الكلام يحتمل إعرابين.
  أحدهما: أن يكون قيار مبتدأ وخبره محذوف، وهو وخبره جملة معطوفة على جملة قوله فإنى لغريب، والتقدير فإنى لغريب وقيار غريب أيضا وعلى هذا التقدير يكون الكلام من حذف المسند، وهو خبر قيار للاحتراز عن العبث، بناء على الظاهر مع ضيق
(١) البيت من الطويل لضابئ بن الحارث البرجمي في الأصمعيات ص: ١٨٤، وخزانة الأدب ٩/ ٣٢٦، ١٠/ ٣١٢، ٣١٣، والدرر ٦/ ١٨٢.