تقييد الفعل بالشرط إن وإذا ولو:
  يكذب بانتفاء القيد، فإنك لو قلت: أكرمك وقتا ليس بحال ولا بماض ولا بمستقبل، كان كذبا، لانتفاء ذلك الوقت، لكن ذلك الكلام حق وصدق عند كل أحد متى ثبت فيه الربط، ويؤيد ذلك أن المناطقة إنما يبينون ما يحكم به العقل فى القضايا عند أهل كل لغة، والحكم باللزوم متعلق عند كل أحد، ولا يفيده فى العربية إلا الشرط، والجزاء، وبعض الناس ارتضى أن الذى لأهل العربية فى الشرط والجزاء خلاف الذى للمنطقيين كما اقتضاه البيان الأول، وبعضهم ارتضى أن ما للفريقين فى ذلك شيء واحد؛ نظرا لمقتضى الرد، والتحقيق أن الشرط تارة يراد به إجراؤه مجرى القيد كما إذا علم مجيء زيد غدا، فيقال: إذا جاءك زيد فقد استحق أن يكرم؛ لأن المعنى أن ذلك الوقت المعلوم الحصول يستحق فيه زيد الإكرام، ولا يسع المنطقيين إنكار هذا الاعتبار، إلا أن القضية حينئذ عندهم ولو كانت فى صورة الشرطية فى معنى الوقتية، وتارة يراد به أنه بتقدير وجوده يوجد الجزاء، فيكون القصد إلى الربط بينه وبين الشرط، ولو لم يوجد أحدهما كما فى قوله تعالى {لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا}(١) ولا يسع أهل العربية إنكاره فإن كان مراد من نسب إلى أهل العربية ما اختصوا به فى زعمه أن ذلك هو الأكثر فى استعمالهم، أمكنت صحته، وحينئذ فيكون الرد نصبا فى غير محل، وإلا كان التفريق بين الفريقين نصبا فى غير محل، وهذا الموضع من مطارح الأنظار فتأمل - والله الموفق بمنه وكرمه - ثم لما أحال الاعتبارات المفادة لأدوات الشرط على تبيينها ببيان معانيها فى علم النحو، أشار إلى أن ثلاثة منها لا يكفى فى تبيين الأغراض المفادة لها ما ذكر لها فى علم النحو فقال: (ولكن لا بد من النظر ههنا فى) مفاد (إن ولو وإذا) أى: لا بد من التعرض لمعانى هذه الثلاثة التى تستعمل لها أصالة وتفريعا، وإنما تعرض لهذه؛ لما أشرنا إليه بأنها تتضمن مواقعها أبحاثا كثيرة، لم يتعرض لها النحويون (ف) نقول (إن وإذا) تشتركان فى أنهما (للشرط فى الاستقبال) أى: تفيد إن تعلق حصول الجزاء بحصول الشرط فى المستقبل. (لكن أصل إن) أى: موضع استعمالها بالحقيقة اللغوية (عدم الجزم) أى: عدم جزم المتكلم (بوقوع الشرط) فى الاستقبال، وعدم الجزم بالوقوع صادق بالشك فى
(١) الأنبياء: ٢٢.