مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

تقييد الفعل بالشرط إن وإذا ولو:

صفحة 328 - الجزء 1

  الْعابِدِينَ}⁣(⁣١) أى: الموحدين لله تعالى، النافين لذلك الولد، أو من المطيعين لذلك الولد لو كان، لكنه لم يكن فأعبد ربى وحده، فالشرط هنا أعنى قوله: {أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ} أدخلت عليه إن للتوبيخ، وتصوير أنه لا يصلح إلا أن يفرض كما يفرض المحال بعد تنزيله منزلته، وإنما لم يكتف بتنزيل الإسراف المحقق منزلة المشكوك؛ لاشتمال المقام على ما يزيل تحققه، فتدخل عليه إن من أول وهلة من غير أن يتوصل إلى ذلك بجعله كالمحال، ثم جعل المحال كالمشكوك؛ لأن التوصل إلى إدخال إن بتنزيله منزلة المحال أبلغ - كما لا يخفى - من التوصل بمجرد وجود ما يزيل التحقق؛ لأن الأول يدل على أن المفروض مما لا يختلف فى انتفائه، لكن الانصاف أن الكلام ليس فيه ما ينبئ عن تنزيله منزلة المحال، ثم يفرض كما يفرض المحال، ولو كان التنزيل أبلغ - اللهم - إلا أن يدعى أن اشتمال المقام على ما يقلع الإسراف من أصله على وجه هو غاية فى الظهور هو الدليل، أو يدعى أن تلك الأبلغية المناسبة للمقام دليل فتأمل.

  (أو تغليب غير المتصف به) أى: بالشرط (على المتصف به) ظاهر العبارة أن الذى صدق عليه بالتحقق أنه غير متصف غلب على الذى صدق عليه أنه متصف كذلك، ويحتمل أن يكون المعنى أن غير محقق الاتصاف، وهو المشكوك فيه، غلب على المتصف، فيصير الجميع كالمشكوك فيه، كما إذا كان القيام قطعى الحصول لزيد غير قطعى الحصول لعمرو، بمعنى أن عمرا مشكوك فى قيامه فيغلب عمرو على زيد فى حكم القيام، فيصير قيامهما كالمشكوك فيه، فتقول: إن قمتما كان كذا، وعلى هذا الاحتمال الثانى يكون استعمال إن بعد التغليب فى موضعها، وهو ما يشك فيه، وعلى الأول يرد فيه بحث سنقرره فى المثال المشار إليه بقوله. (وقوله تعالى) فى خطاب المرتابين ({وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا}⁣(⁣٢) يحتملهما) أى: يحتمل أن يكون للتوبيخ، وتصوير أن المقام لاشتماله على ما يقلع الريب من أصله لا يصلح الريب فيه، إلا أن يفرض كما يفرض المحال، ويحتمل أن يكون لتغليب غير المرتابين على


(١) الزخرف: ٨١.

(٢) البقرة: ٢٣.