حال الفعل مع المفعول والفاعل
  للحذف كما تقدم أن المحذوف بعد دلالة القرينة عليه يحتاج فى باب البلاغة إلى غرض موجب لحذفه، فأشار إلى تفصيل الغرض فى ذلك فقال (ثم الحذف) للمفعول المدلول عليه بالقرينة (إما للبيان بعد الإبهام) حيث يتعلق الغرض به لما فيه من كون المبين بعد إبهامه يقع فى النفس لأن النفس تنتظره حيث أشعر به إجمالا، فإذا أتى به كان أوقع في النفس، وذلك (كما في فعل المشيئة) والإرادة ونحوهما كالمحبة، وأظهر ما يكون فيه ذلك إذا وقع ذلك الفعل شرطا فيأتى جوابه مبينا للمحذوف، ودالا عليه، ولكن حذفه مع فعل المشيئة إنما يرتكب (ما) أى: مدة كونه (لم يكن تعلقه) أى: تعلق فعل المشيئة وشبهه (به) أى بذلك المفعول (غريبا) فإن كان تعلقه به غريبا لم يحذف (نحو) أى: والمفعول الذى لم يكن تعلق فعل المشيئة به غريبا هو مثل المحذوف فى (قوله) تعالى {فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ}(١) أى: لو شاء هدايتكم لهداكم أجمعين، ووجه وجود الإجمال ثم البيان فيه أنه لما قال: لو شاء علم أن ثم مفعولا تعلقت به المشيئة، ولم يتعين ما هو، ولما أتى بالجواب تبين به المفعول المحذوف وذلك؛ لأن سوق المشيئة شرطا إنما يترتب عليها غالبا المشاء، والمراد فكأن الشرط دل عليه فحذف أولا مع الإشعار به إجمالا، ثم ذكر فى الجواب مفصلا فيكون أوقع فى النفس.
  وقلنا فكأن الشرط دل عليه فحذف ثم ذكر إشارة إلى أنه لم يبين لفظا، وإلا لم يحذف وإنما ذكر معنى وإشارة إلى أن الدال عليه فى الحقيقة هو الجواب، ولكن لما أشعر به الشرط إجمالا عد دالا عليه، والذى تعلق به الغرض هنا هو جعل معناه الذى هو مضمون الجواب واقعا فى النفس، وذلك أن القضية الشرطية أريد فيها تأكيد اللازم فى ذهن السامع وتقريره فيه حتى يعلم أن الهداية تترتب على المشيئة، فلا تطلب من غيرها فالجواب قرينة الحذف ومبين للمحذوف بالوجه السابق فليتأمل حتى لا يرد أن يقال: إذا بين الشيء بعد إبهامه فلم يحذف، ولا أن يقال: الدليل على الحذف هو الجواب، والبيان إنما يطلب بعد الحذف الموقوف على الدليل.
(١) الأنعام: ١٤٩.